تعديل

الخميس، 30 مارس 2017

خدعونا مبكراً -النظام التعليمي-








منذ دخولنا لعالم الدراسة والنظام التعليمي الغريب الذي وللأسف لا نستطيع العبور إلى الحياة في منظومتنا وعالمنا العربي إلا من خلاله ..ونحن نألفه بقالب ثابت يكاد يُجمع على طريقة واحدة تصفه، عفا عليها الزمان في الدول التي تهتم بالإنسان ..


ومما يجمعنا عربياً في الفشل وفي الخدعة هو أن أرباب التعليم أوهمونا أن النجاح في الحياة يتم من خلال دراسة الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات ..وغيرها من الكم العلمي الذي يتم "حشوه" خلال سنيّ الدراسة الثنتي عشر -الطويييلة جداً- وخلال تلك الأعوام الطويلة يكاد لا يُعطى أي هامش يُذكر لمهارات ومواهب كالرسم والرياضة والفن والموسيقى والغناء والشعر وغيرهم من التي يُصبح مُتقنيها الأكثر شهرةً وثراءً وإبداعاً على مستوى مرموق جداً .. 
ما يحدث هو على العكس انعدام للاهتمام بها ما يجعلها شيئاً عابراً في حياة من امتلك شيئاً أو بذرةً منها .. 



فعلى سبيل المثال، كانت حصة الرياضة عادةً ما تكون واحدة فقط في الأسبوع وتوضع في آخر الجدول اليومي بحيث يُفضل ويميل غالبية الطلاب للعودة لمنازلهم بعد اليوم المرهق بدلاً من "تعلم" أو ممارسة الرياضة ..أما إن كانت في مكان متوسط من اليوم فلا تعدو عن أن تكون امتداد لما كنّا نمارسه من كرة قدم بقوانين الشارع ..



والأصل أن تكون أكثر من حصة ..وأن تكون تعليمية ومتعددة لا أن تقتصر فقط على كرة القدم ..ولا أبالغ إن قلت أنه يجب أن يكون للرياضة طاقم متكامل مختص في عديد من الفروع من كرة القدم والسلة والطائرة ..وحتى تمارين السويدي وابتكاراتها التي لا تنتهي ..



أما في الخط العربي والذي يُعد أحد فروع وطرق الفن، فكانت له كراسة مرفقة في كل عام، وكانت حصته -إن تم تخصيص واحدة- هي للاستغلال لتكملة العجز في الحصص الأخرى من نحو وقراءة وغيرها، أو إن سمح الوقت، فممارسة النسخ لمحتوى الكراسة دون أي نوع من التوجيهات ..

أذكر أنني كنت من أصحاب الخط المتواضع جداً، وكانت نقطة اعتراض أساتذتي الدائمة لأنه أنسب لمستوايا العلمي خط جميل يليق به ..
حتى الصف السادس الابتدائي ..استمرت المشكلة ..إلى أن رزقنا الله بمُدرّسة جعلت حصة الخط ..حصة مخصصة حقاً للخط وتعليمه ..وكانت مبادرة ذاتية منها ..أي أنها حالة لا تصلح للتعميم بأي حالٍ من الأحوال .. 
وكانت مفاجأة لي على صعيدي الشخصي أن للكتابة قواعد وأصول يمكن نقلها فعلاً وتعليمها للطلاب ..وكفيلة بتحسين من الخط بصورة ملحوظة ليصبح مقبولاً..
لا زلت أحتفظ بأحد دفاتري -لمادة الجغرافيا- من ذلك العام ..وفيه مساحة تُظهر التحسن بين المرحلتين ما قبل حصة الخط تلك، وما بعدها: 


  







ولم تكن حصة الرسم من السابقيين ببعيد ..فكانت تُعطى لأي مدرس لديه مساحة من الفراغ .. بغض النظر عن تخصصه، فإما أن تكون للدردشة ..أو للرسم بناءً على ما لدينا من معرفة، لم نحصل عليها أصلاً ..! 
لكن ..وكما الخط ..أذكر في إحدى السنوات ..وتحديداً الثالث الإعدادي ..كان مدرس الرسم مختص بالرسم وله لوحات فنيّة جميلة ..
وكما الخط أيضاً ..كان التخصص له أثره، فأدخل في الحصة ألوان "الغواش" وتعلمنا على يديه بعض المهارات والتقنيات التي تعطي مخرجات جمالية .. 

لذا ..في الحالتين الماضيتين رد مستبق على من قد يقول بأن تلك مواهب لا دخل للتعليم فيها ..والرد الآخر هو أنه كيف تُكتشف الموهبة دون استثارتها ..بل كيف تُنمى دون أن تُفتح لها الآفاق ..! 

تلك الجوانب الجميلة ليست بالضرورة أن تؤتي ثمارها بتخريج كل الطلاب فنّانين ولاعبي كرة قدم أو رياضيين مشهورين ..أو من أهل الموسيقى والفنّ ..بل الجمال الكامن فيها هي ما تخلقه داخلهم من روح محلّقة ..ومن ارتفاع في هرمون الإنسانية .. 

 أما المصيبة الأعظم فهي ليست أن تلك الجوانب الجميلة كانت طي الإهمال التام ..لأن التركيز كان على تخريج جهابذة ومحترفين في المواد العلمية والأدبية ..بل حتى تلك كانت حشواً متواصلاً ..وتلقيناً لا ينتهي ..دون أي مِسحة من الإبداع أو التجديد ..

المشكلة باختصار في أنظمتنا "التعليمية" أنها ليست تعليمية على الإطلاق ..ائتوني بحالات أصلحت فيها المدرسة حال طلاب ورفعت من مستواهم التحصيلي ..؟!

العلم كان يُحصلّه بالطريقة المتبعّة أصحاب الإمكانيات والمواهب فقط، وكانوا معدودين ..أما بقية الطلاب فكانوا ضحية وفريسة لهذا النظام القاتل للعقول ..وبالتالي من الظلم للعلم أن نسميّه نظاماً تعليمياً ..بل نظاماً تمريرياً ..أو نقلياً ..لا أكثر ..فرسالة التعليم السامية هي خلق الإنسان والسمو به ليجد حقيقة نفسه وإمكاناته..

والحديث في هذا الجانب تحديداً يطول ..لكن باختصار ..تجاوزت الدول المتقدمة مرحلة التقليدية ..إلى التخصصية منذ مراحل مبكرة، فأصبح اكتشاف ميول واهتمامات الطالب كل كحالة منفردة، هو المقياس الأهم للانطلاق مع الطالب والتركيز على الاتجاهات التي تحمل أعلى احتمالية لإبداعه .. 

ختاماً ..في إصلاح التعليم حقاً إصلاح لكافة نواحينا العربية المتآكلة من الاجتماعية ..وانتهاءً بالسياسية ..أما كل محاولات تغيير رأس الهرم الحالية لن تؤتي ثمارها في ظل المنظومات التي تُكرر نفسها ..بل وتنحدر إلى "مزيد" من القاع! 


الجمعة، 17 مارس 2017

الليرة الذهبية ..قصة وعبرة من التراث







يُحكى أنَّ رجلاً ميسوراً ، كان له ولد وحيد ، بالغت أمُّهُ في تدليله والخوف عليه ، حتى كبر ، وأصبح شابَّاً لايتقن أيَّ عمل ، ولا يجيد سوى التسكع في الطرقات ، واللهو واقتراف الملذَّات ، معتمداً على المال الذي تمنحه إيَّاه أمُّهُ خفيةً ، ودون علم والده ! 


وذات صباح ، نادى الأب ولده ، وقال له: 

كبرت يابني ، وصرتَ شابَّاً قويَّاً ، ويمكنك ، منذ اللحظة ، الاعتماد على نفسكَ ، وتحصيل قوتِكَ بِكَدِّكَ وعرق جبينك. 

قال الابن محتجَّاً : 

- ولكنني لا أتقنُ أيَّ عملٍ ياأبي ! 

قال الأب : 

يمكنك أن تتعلَّم .. وعليكَ أن تذهب الآن إلى المدينة وتعمل .. وإيَّاكَ أن تعود منها قبل أن تجمع ليرةً ذهبيةً ، وتحضرها إليَّ ! 

خرج الولد من البيت ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمُّه ، وأعطته ليرة ذهبية ، وطلبت منه أن يذهب إلى المدينة 

ويعود منها في المساء ، ليقدِّم الليرة إلى والده ، ويدَّعي أنَّهُ حصل عليها بعمله وكَدِّ يده ! 

وفعل الابن ماطلبت منه والدته ، وعاد مساءً يحمل الليرة الذهبية ، وقدَّمها لوالده قائلاً : 

لقد عملتُ ، وتعبتُ كثيراً حتى حصلت على هذه الليرة . تفضل ياأبي ! 

تناول الأب الليرة ، وتأملها جيِّداً ثم ألقاها في النار المتأججة أمامه في الموقد ، وقال: 

إنَّها ليست الليرة التي طلبتها منك . عليكَ أن تذهب غداً إلى المدينة ، وتحضر ليرةً أخرى غيرها ! 

سكتَ الولد ولم يتكلم أو يحتج على تصرُّف والده ! 

وفي صباح اليوم الثاني ، خرج الولد يريد المدينة ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمه ، وأعطته ليرة ثانية 

وقالت له: لا تعد سريعاً . امكث في المدينة يومين أو ثلاثة ، ثم أحضر الليرة وقدِّمها لوالدك. 

تابع الابن سيره ، حتى وصل إلى المدينة ، وأمضى فيها ثلاثة أيام ، ثم عاد ، وقدَّم الليرة الذهبية لوالده قائلاً: 

عانيتُ وتعذَّبتُ كثيراً ، حتى حصلتُ على هذه الليرة . تفضَّل ياأبي ! 

تناول الأب الليرة ، وتأملها ، ثم ألقى بها بين جمر الموقد قائلاً : 

- إنها ليست الليرة التي طلبتها منكَ .. عليكَ أن تحضر غيرها يابني ! 

سكتَ الولد ، ولم يتكلم ! 

وفي صباح اليوم الثالث ، وقبل أن تستيقظ الأمُّ من نومها ، تسلل الابنُ من البيت ، وقصد المدينة ، وغاب هناك شهراً 

بأكمله ، ثمَّ عاد يحمل ليرة ذهبية ، وقد أطبق عليها يده بحرص كبير ، فقد تعب حقَّاً في تحصيلها ، وبذل من أجلها 

الكثير من العرق والجهد . 

قدَّم الليرة إلى أبيه وهو يبتسم قائلاً : 

أقسم لكَ ياأبي أن هذه الليرة من كدِّ يميني وعَرَقِ جبيني .. وقد عانيت الكثير في تحصيلها ! 

أمسك الأب الليرة الذهبية ، وهمَّ أن يُلقي بها في النار ، فهجم عليه الابنُ ، وأمسكَ بيده ، ومنعه من إلقائها 

فضحك الأب ، وعانق ولده ، وقال: 

الآن صِرتَ رجلاً ، ويمكنك الاعتماد على نفسكَ يابني ! فهذه الليرة هي حقَّاً ثمرة تعبكَ وجهدك ، لأنَّكَ خفتَ على 

ضياعها ، بينما سَكَتَّ على ضياع الليرتين السابقتين ... 

فَمَنْ جاءهُ المال بغير جهد ، هان عليه ضياع هذا المال

الثلاثاء، 7 مارس 2017

نظرية المؤامرة تطال كروية الأرض ..!





منذ حوالي الأسبوعين، كنت في السيارة عائداً للبيت من العمل، فطرق أذني حديث رجل كان يجلس في الخلف وهو يُكلم أحدهم من خلال هاتفه المحمول ليخبره بالنتيجة التي توصل إليها أخيراً ..قالها نعم وصدح بها .."لقد بت غير مقتنع بأن الأرض كروية!" .. أطار التعب من عينيّ ورأسي ..وكنت أتمنى أن أدخل معه في نقاش تلك النتيجة المذهلة ..لولا أن مكالمته طالت ..بالإضافة لأن سيدةً كانت تجلس في الخلف إلى جواره، حالت دون التواصل للنقاش ..إذ لا يُمكن الالتفات بطبيعة الحال!

لم يقتصر الأمر معي خلال الفترة الماضية عند هذا الحد، بل تخطاه للمشاركات التي باتت تظهر تباعاً على فيسبوك، بأن العلوم ما هي إلا كذبة كبيرة، وأن وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" منظمة ماسونية تآمرت على الكون، والأرض مسطحة قد كذبوا علينا ..إلخ 

حسناً ..

المشكلة عندي ليست في أن الطرح قد تجاوز زمانه بمراحل ..وأن الزمن الذي كان يُنعت فيه من يقول بـ"كروية الأرض" بأنه "مرهطق" قد ولى ..المفترض بلا رجعة ..لكن مشكلتي أن من يُنافحون يخرجون بمبررات لا ترقى للدلائل ..كأن يقولوا مثلاً بأنه لو كانت الأرض كروية لما كانت صالحة إلا في الجزء العلوي ..ولسقط مَن ..وما يقع على الجوانب ..! أو لانسكبت المحيطات في الفضاء ..! 

طبعاً الحديث يمتد ويشمل فكرة قرب الشمس والقمر ..وأنهما ليسا على المسافات التي "يزعمها" العلم ..بل أقرب بكثير ..والأدلة الكاميرات التي تقوم بعمل "زووم" فتظهر تفاصيل ..من غير المنطقي أنها تظهر لو كانوا بذاك البُعد المدَعى! 

إضافة لذلك فقد طال الأمر النجوم، وأنا لا تتجاوز في بعدها المائة ميل، ومنهم من ذهب للاستشهاد بالنص القرآني حول الشهب، وأنها "نجوم" تُرجم بها الشياطين .. 

"ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين" 

والمعروف أن الشهب صخور صغيرة، وبالتالي، إذا كانت النجوم بالمسافات والأحجام التي "يدعيها العلم" فهذا يُخالف صريح القرآن ..! أليس كذلك؟ 

ليس كذلك بالتأكيد ..لأن المشكلة فيمن جعل القرآن الكريم كتاباً للمصادر العلمية و"الإعجاز" العلمي ..إن صح التعبير ..فهو كتاب مبين ..هدىً للناس لأمور دنياهم وآخرتهم ..وليس كتاب في الفلك أو الطب أو الجغرافيا ..كما اجتهد فيه الكثيرون فوقعوا فيما لا يُحمد عقباه .. 

شاهدت فيديو لسوس يتحدث فيه عن أنه من منظور علمي معين يمكن الاقتناع بفكرة أن الأرض مسطحة ..بالتأكيد أي منظور علمي هو نقاش يمكن تقبل سماعه، ولذلك سأضيف الفيديو في نهاية المقال ..

لكن ..لن أدخل في نقاش تفاصيل أدلة مجتمع الأرض المسطحة كما يُطلقون على أنفسهم ..وسأكتفي برد من منظور "المؤامرة" ذاته ..
في العلم ..يصعب جداً ..جداً ..جداً ..وقوع مسألة التواطؤ ..لأنه يشترك فيه أناس من مشارب ومذاهب وأديان وأعراق مختلفة من كافة أنحاء العالم ..قد يُجري أبحاث فريق بحثي في أمريكا في موضوع معين، ويُجري فريق آخر في الصين في نفس المجال ..والأبحاث تُحّكم ..ولها قواعد صعبة قبل النشر والاعتماد وارتقائها لمراتب الحقائق والمسلمّات ..وبالتالي يصعب ..بل يستحيل التواطؤ ..وإلا لكُشف الاحتيال ولم يُعمَّر كل تلك السنون! 

الحجة الأخرى هي سؤال لمنكري الكروية ..وعلوم الفلك الحديثة كذلك..لماذا تصدق العلماء والعلم في مواضع ..وتتركه في مواضع أخرى ..بشكل انتقائي ..فالعلماء على سبيل المثال، طوّعوا الموجات اللاسلكية ..التي لا تراها ..لكنك تستخدمها الآن للتواصل ..ولنقل الفيديوهات التي تدعي فيها خطأ و"مؤامرة" العلماء!! 


الفكرة .. أن لا حجْر على أي فكرة ..لكن نُهيب بأربابها أن يكونوا حتى على غرابة ما يطرحوه "علماء" ..وعلميين .. 

هل الأرض فعلاً مسطّحة؟ (فيديو سوس)



ملخص لأبرز أدلة القائلين بأن الأرض مسطحة .. 




أختم بشعر لابن عبد ربه ..صاحب العقد الفريد، في إنكاره وهرطقته لأحد الفلكيين العرب في عصره، ويُدعى أبو عبيدة، في قوله بـ"كروية الأرض" ..

يبدأ فيقول: 

أبا عبيدة والمسئولُ عن خبرٍ  *** يحكيه إلا سؤالاً للذي سألا 
أبيت إلا شذوذاً عن جماعتنا  *** ولم تُصب رأي من أرجا ولا اعتزلا


إلى أن يقول: 

وقلتَ إن جميع الخلق في فلكٍ *** بهم يُحيط وفيهم يقسم الأجلا 
والأرض كوريةٌ حفَّ السماء بها *** قد صار بينهما هذا وذا دولا 
فإن كانون في صنعا وقرطبةٍ  *** بردٌ، وأيلولُ يُذكي فيهم الشُعلا
هذا الدليل ولا قولٌ غررت به *** من القوانين يُجلى القول والعملا
كما استمر ابن موسى في غوايته *** فوعّر السهل حتى خلته جبلا
أبلغ معاوية المصغي لقولهما *** أني كفرتُ بما قالا وما فعلا 

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More