مع كل انتخابات أمريكية ..أو أمطار سياسية موسمية، تخرج إلى السطح فكرة مؤامرات تقسيم الدول العربية إلى دويلات ..ويُستشهد بالسودان كدليل عملي.
أتفق تماماً أن الغرب ممثل بأمريكا وأوروبا، والشرق المتمثل في روسيا ينظر إلى منطقتنا العربية باهتمام بالغ، ولا يتواني عن التدخل والاستفادة وحصد الثمار. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي مقوّمات تقسيم أي منطقة؟
والإجابة ببساطة تامة، هي وجود عوامل وأسباب اختلاف كافية لإشعال فتيل صراع بين سكان هذه المنطقة ..
في دولنا العربية، نتمتع بعقلية كفيلة بإحداث صراع دموي عند أي اختلاف فكري، ولم يقتصر ذلك على الصراع الطائفي وحده، بل تعداه إلى الصراعات السياسية بين أحزاب الطائفة الواحدة!
وبالتالي..لا معنى لفكرة المؤامرة أو التدخلات مهما كانت لو أن دولة مثل سوريا أو العراق مثلاً كان لدى سكانها ميثاق مشترك تجتمع عليه، يجمع كافة الأطراف والطوائف على أهم القواسم المشتركة، ويضع حدوداً وقوانين تحكم عُرف الاختلاف الديني والطائفي والعرقي، وتتجاوز مرحلة الصراع الكنسي الذي انتهى منه العالم.
لكن شيئاً من هذا لم يحدث إلى الآن، وبالتالي ..ما زالت بلادنا تربة خصبة وملعب مفتوح أمام الطامحين والطامعين من العالم.
وما يجعل الأفق أكثر سوداوية ..ليست مسألة عدم التوافق بين الطائفيين، بل لو أدرنا الدفة لنُلقي نظرة على منطقة أخرى من أهم المناطق العربية على صعيد الصراع، فلسطين ..لتأكدنا أن المشهد قاتم جداً ..! فرغم أن الخصوم هنالك لا تلفهم الطائفية، إلا أن خلافاتهم السياسة أودت بالمنطقة لأول ثمار "الربيع العربي" بتقسيم غزة والضفة سياسياً ..لتُصبح كل بقعة منهما تبعاً لحزب ..يُعتبر الحكومة والإدارة لها ..منذ عام 2007 وحتى الآن!
وحيث أن كل المحاولات التي تمت لإيجاد قواسم مشتركة تجمع هذا الشتات منذ ذلك التاريخ وحتى الآن باءت بالفشل، فهذا دليل على أن التوجهات والأفكار التي تقوم عليها هذه الأحزاب، والمبادئ العامة التي تحكم ميزان عقليتنا العربية، بحاجة إلى هدم وإعادة بناء بكل ما تحمل الكلمة من معنى ..لأن تكرار محاولات التوحد على نفس الأرضية من الأفكار هو نوع من العبث وإضاعة الوقت وأعمار الشباب ليس إلا.
في النهاية، خلافتنا المتجذرة تاريخياً، وحتى الآن تحسم الكفة لتُدين عقليتنا العربية وبعض من الإرث الذي درجنا عليه، وتُنحّي عملياً التدخلات الخارجية، التي من المنطقي جداً أنها من المفترض أن تجمع الشعوب والأفراد المختلفة، لكن أن تتصاعد الاختلافات لمرحلة الصراع الدموي بين الشعب الواحد، فهذا مسئولية الشعب وحده أن يحلها ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق