تعديل

الأحد، 29 يناير 2017

بين التوكل ..والإيمان بالأسباب






قد يتعجب الكثيرون من جرأةٍ في العنوان "الإيمان بالأسباب" ..لكن وقبل أن أبدأ في مقصدي، الأصل أن يشفع له "بين"، وهذا للتوضيح لا أكثر. 

من وجهة نظري، من أهم الأزمات والفجوات بين الغرب وما وصل إليه، وبين العرب وما انحدروا إليه هو هذه القناعة تحديداً. فالغرب، بماديته بلغ إيمانه بالأسباب منتهاه، بأنها هي المفسّر الوحيد لكل شيء، وأن أي غاية تود أن تصلها، لابد أن تسلك لها أسبابها الموصلة إليها، وبغير ذلك لن تصل ..ولن تفعل ذلك صلواتك ودعواتك ..ولو أنفقت في ذلك عمرك كله...وهذا حق وواقع بشكل لا يُمكن إنكاره بالجملة!

في المقابل، ما زال العديد من المسلمين مشدودين أكثر ناحية "النظرة السحرية" للعالم، وأنه ربما تأتي كارثةٌ ما فتمحو أعداءَهم ..أو يصب الله عليهم من غضبه بالأمراض والأوجاع ..إلخ من الدعوات التي تُطلق منذ مئات السنين من ترميل نساءهم وتيتيم أطفالهم ..وضرب ظالميهم بعضهم ببعض ..وأن نخرج نحن من ذلك سالمين غانمين ..غير خزايا ولا محرومين! 

طبعاً ..بغض النظر عن أن كل ذلك يخالف فكرة: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين" ..وأنه نوع من التوحش المذموم إنسانياً ..والمرفوض بـ"ألف باء" الأخلاق ..لكن لو وضعنا ذلك الآن جانباً ..لخلصنا إلا أننا أمة لا تعمل ..ولا تملك إرادة حقيقية للنهوض القائم على الأسباب التي وضعها الله كـ"نواميس" ثابتة للكون. 

لنكن واقعيين .. أولاً ..كل تلك الدعوات لم تغير من حالنا الحقيقي شيء ..بل نحن من نغرق في دمائنا وجهلنا. 
ثانياً ..وهو الأهم ..يجب أن نعتقد بالأسباب ..نعم التغيير على المستوى الأممي على مستوى الحضارات لم يحصل يوماً أن تغير بـ"عصا سحرية" حتى في عهد الرسول (ص) نفسه! فكان ما يعرفه الجميع من إعداد وتقلب وتغير حالٍ ..ومن ضعف إلى تمكين حتى تم الفتح. 
ثالثاً: لا ينبغي أن تكون الأقدار هي الشماعة الدائمة لكل فشل، فكما قال أحدهم: "الأقدار لا تُعفي من المسئولية ..وإلا استعفى بها كلُ طاغيةٍ مجرم". وهذه يمكن قياسها على كل نتيجة جيدة أو سيئة بلغتها في حياتك، دون الحاجة إلى الشماعات. 
أخيراً: أحد أهم فوائد "الإيمان" بالأسباب ..هي التخلص من آفة متجذرة للغاية ..آفة الحسد ..والنظر لما في يد الغير، وبغضه لذلك مع تمني "فشله" ..! 
والسبب من وجهة نظري في هذا المرض هو فكرة إقصاء الأسباب كمحرك رئيس وضعه الله في الكون. فمن ذات النظرة السحرية، يسخط البعض من منطلق أن الله قد منح فلاناً ..ومنعه! ولو أن العقل والنظر في الأسباب كان له الغلبة في مثل هذا، لكن أجدر أن ينظر لأسباب نجاحه فيحتذي ..أو يُفكر بطريقة مماثلة أو مشابهة ..أو أضعف الإيمان ..أن يعمل ..وأن ينظر هل أسبابه مماثلة لأسباب "المنظور إليه" فيصل لذات النتائج المأمولة..أم أن لكل منهما همّة ..وقدرة؟! 

الآن ..قد يسأل البعض ..وهل بقي في ذلك من التوكل شيء؟! 
نعم ..بقي كله ..إيمانك أن الكون قائم على الأسباب ..هو إيمان حقيقي وواقعي بحد ذاته. ثم إن السنن الكونية اقتضت كما ذكرت أن تكون الأسباب هي الحَكَم في تغير الأمم والحضارات ونهوضها..أما على صعيدك الفردي ..حينما "تعقلها وتتوكل" ..فسيجعل الله لك مخارج وفرج لم تكن تحسبه ..حتى وإن فقدت غايةً عزيزةً بذلت كل الأسباب في وصولها وحال دون ذلك أسباب خارجة عن نطاق فعلك وتأثيرك..فهنا يكمن "التوكل" و"الرضا" الحقيقين". 

الخميس، 26 يناير 2017

عين على: الأسود يليقُ بكِ ج2










 ربما يكون الحب من النظرة الأولى هو أسرع مراتب الحب، لكن الحب الذي يبتدئ بالإعجاب ..ثم اتصال الروح بالروح ..هو أرسخ درجات الحب..تماماً مثل كرة الثلج التي تتحول إلى جبل شامخ! 

التكلف في الحب ..من الموبقات! 
على طريقة مستغانمي ..كان الحب أرستقراطياً جداً، وفيه تكلّف ..وخصوصاً من ناحية الرجل. كان يعتمد على الترتيبات والمفاجئات "المدروسة" بعناية! يستمر التحضير لها فيما يتجاوز الشهر ..والشهرين أحياناً! ومع ذلك، وإنه وإن كان هنالك تكلف أو استعداد للقاء المحب في أبهى صورة ..فلا وجود للتكلف في مشاعر الخلوات ..التي لم تحكيها الرواية بشكل كافٍ يتناسب مع ملحمية الرواية!

وقد أجمع العُشّاقُ أن للحب عذاب ..وفيه لذة ..وللبعد ألم ..وبه لوعة ..ولذلك تعجبت لقلة ما عرّجت على مشاعر "العاشقَين" في الفترات التي امتد فيها الانقطاع لأزْيَد عن شهر ..! اقتصرت الصورة على شيء من اللهفة والشوق من جانب العاشقة ..أما "العاشق" فكان منغمساً في "بزنسه" ..وخلال ذلك يخطط لمفاجئته التالية ..الباذخة!

الغريب ..أن هذا الانقطاع الطويل ..وإن تمخض عن لقاء ملحمي ..فاخر ..فهو منفصل عن فكرة عذاب البعاد ..وهذا لعَمري لا يحدث بين الأصدقاء المقربين ..فتراهم على تواصل يوماً بيوم ..ولو على هامش اليوم! 
وقد يقول قائل: "إن هذا والله ما أفسد طعم الحب ..فأين أيام الرسائل الورقية ..والمكاتيب ..وانتظار نطق نص الحبيب ..فقد أفسد التواصل الحديث معنى اللهفة والشوق"!

وقد أتفق معه في جمال ذلك الزمان والأسلوب، لكني لا أتفق في افتقار الرواية في تلك العلاقة المقترحة لتسليط الضوء على الشوق والحنين ..

مع ذلك، فذاك رأيي، ولم تغفل الكاتبة عن الإشارة لمذهبها، فقد كان يبدو أن رأيها الخاص يُفضل هذا النوع من العلاقات، حينما ذكرت:  



على كلٍ.. ربما كانت الكاتبة معنية  في روايتها بعلاقة بهذه التفاصيل تحديداً ..وخصوصاً الاستعانة بشخصية "البزنس مان" الذي يستطيع بماله أن يحصل على ما يريد انطلاقاً من مبدأ "الإبهار"، لكن مع ذلك كان الاشتياق الحقيقي خافتاً كذلك من جانب المرأة ..والمعروف أن النساء أكثر عذاباً ولوعة! طبعاً بغض النظر عن اعتراضي على منطلق مستغانمي في اختيارها لنموذج العلاقة الذي عرضته ..بطريقة انتابني فيها شعور وكأنها تقول بأن هذا نموذج الرجل الخارق ..ومع ذلك سأحطمه في نهاية الرواية ..! 

وحقيقةً ..هذه الخيار يُذكرني بالصورة التالية ..التي تتحدث عن نفسها ..وتُشير إلى عدم إنصاف النموذج الذي قدمته .. 


وهذه الصورة بدورها ذكرتني بمحاولة "البزنس مان" فرض رؤيته المهنية على "محبوبته"، رغم النجاح والشهرة اللتان حققتهما! كما في القصاصة التالية: 


وللمصادفة، كنت في وقت قراءتي لهذه السطور قد شاهدت مقطعاً من مسلسل ملوك الطوائف، في مشهد بين ابن زيدون ومحبوبته ولّادة بنت المستكفي، وهو يطالبها باعتزال مجلسها الذي اعتادت عقده، لكنها رفضت ذلك، وكان لها في ذلك رأياً تُصرّ عليه! 
هذا الحوار كان في زمان الجواري والعبيد ..لكن في الرواية لم تجعل الكاتبة لبطلتها أي نوع من ردة الفعل، في زمان من المفترض أنه أكثر حرية!! 

أما الأمر الذي حيّرني ..هو موقف الكاتبة الحقيقي من الحب الباذخ ..القائم على الاستعراض ..والتحليق بين مدن العالم ..فمن حدائق التويلري في باريس .. Jardin De Tuilerie إلى ذلك الفندق العريق في فيينا ..فتارة كانت تُلمح إلى جمال حياة البسطاء ..وتنال بالنقد المتواري أيضاً ..شيئاً من طباع الأثرياء .. 




أو تقف في منطقة متوسطة إلى حدٍ ما .. 


لكن الذي خرج عن النص ..هو انتصارها للمكان وفخامته على بطلة الرواية ..بطريقة وضعتها في خانة السخرية من قدرة البسطاء على صنع حب قلبي ..تتحطم أمامه المظاهر البرّاقة ..! 




طبعاً ..لو أن الحب اقتصر على هذا المذهب ..لحُرم البسطاء من غذاء القلب والروح ..واقتصر على أثرياء الجيب ..لكن الحمد لله أن ثراء الحب ..يقترن بنبض القلب ..وهي مشاعر لا تُقدر بالمال ..
ولأمانة النقل والنقد ..فقد تلى تلك القصاصات قصاصة ..خُيّل إلي أن فيها نوعاً من النقد لتلك المظاهر ..أو شيئاً من تصحيح المسار ..وهذا ما جعلني أحتار في حقيقة موقفها: 


يبقى أن أُشير إلى تناقض غريب ..يتناقض مع ما كان يحدث من فراق طويل بين الحبيبين ..ومع فكرة فن المسافة! وهو مستقى من الحوار التالي: 



في النهاية ..التحليل ..أو النظرة على الرواية ..هي على سياق الرواية نفسها وما تعكس من وجهة نظر الكاتبة ..بغض النظر عن شخص الكاتبة أو حتى وجهات نظرها الحقيقية التي قد لا تصل بصورة كاملة خلال السياق الروائي..لذلك هو نقاش لوجهات النظر لا أكثر ..وبالتأكيد كذلك لستُ ضد مبدأ الإبهار ..السفر ..التملك ..التحليق ..الثراء الباذخ ..لكني ضد أن يكون هذا هو مذهب الحب الأوحد!


لم تتغير قناعاتي ..أن روايات مستغانمي مناسبة أكثر للذوق النسائي، خصوصاً فيما يتعلق في فكرة "الإبهار" ..لأنه ربما كان أقل تأثيراً على قارئيها من الرجال ..لكن في المقابل ..لا يحد ولا يمنع الفضول المعرفي من اقتحام الذوق النسائي كذلك! 

كان في خلدي الكثير لأتحدث عنه، لكن دائماً ما تضيع أكثر الأفكار ..لكنها في كل الأحوال رواية تستحق القراءة ..لذا عند هذا الحد أنتهي ..



لمتابعة القصاصات التي اقتطفتها ..وسأبدأ بنشرها قريباً ..يمكنكم زيارة صفحتي: 
مقتطفات من كتبٍ قرأتها

ودمتم بود :)

الاثنين، 23 يناير 2017

عين على: الأسود يليقُ بكِ .. ج1


كانت الفكرة أن أُبحر قليلاً في غير بحر الفكر الذي يُصيب الروح بالجفاف ..وبالتالي كان خيار الروايات هو الأمثل ..

لكن ..بعد خيبة الأمل الأدبية في رواية "حبيبي داعشي" ازداد ظمأي لبعض المنحوتات الأدبية ..وراقت لي فكرة القراءة لأحلام مستغانمي بعد اقتراح من أصدقاء لروايتها التي لاقت رواجاً واسعاً "الأسود يليق بكِ" ..ولثقتي بأنني وإن لم أغنم قصةً جميلة ..فسأخرج بارتواء أدبي، كوني قرأت لها العديد من المقتطفات مسبقاً ..التي تؤكد على قوة الأسلوب ..وجزالة العبارة .. استحسنت الفكرة ..وقررت البدء ..

سابقاً ..وحتى قبل خروج روايتها إلى النور في 2012 ..كنت أحتفظ برواياتها الأسبق في مجلد ..ذاكرة الجسد..فوضى الحواس وعابر سرير ..إضافة إلى "الأسود يليقُ بكِ" ..التي لحقتهم فيما بعد صدورها ..إلى حين يأتي وقته.

كنتُ قد كونت قناعتين عن رواياتها بشكل عام، توصلتُ إليها من المقتطفات التي كانت تقع في طريقي .. ومن مراجعات ومناقشات قديمة كانت تدور في أروقة المنتديات ..الأولى أنها روايات تناسب الذوق النسائي أكثر، أما القناعة الثانية ..فهي أنه من العبث أن أقرأ لها بعد أن اتهمها بعض نشطاء المواقع بأنها "المتسببة في عنوسة ملايين الفتيات" في العالم العربي، ألقت بكل عوالم خيالها التي علقتهم بها خلفها ..وتزوجت بملياردير خليجي!وبالتالي ..لا معنى لكل هذا الخيال سوى إضاعة الوقت!

لكن مع ذلك، تركتُ القناعتين جانباً ..ونفضتُ الغبار عن المجلد ..وبدأت بالإبحار ..قبل أن يتسنى لي أن أتبين عدم صحة القناعة الثانية بعد أن انتهيت من الرواية! حيث كنت أود تذكر تفاصيل الحدث، ووقفت على أن الخبر لم يكن صحيحاً مطلقاً ..! وهو درس يُضاف إلى قائمة الدروس بتحري أي أمر ..قبل تبنيه ورفعه لمصافّ القناعة!

إلى لب الرواية ..


كما ذكرت ..وكما كنتُ قد توقعتُ وقدرّت ..كان الأسلوب مميزاً ..وقوياً ..يأخذك صعوداً وهبوطاً ..ويبدو لي أن أسلوبها ذاتُه تأثر بتأثرها وولعها بالموسيقى التي كانت حاضرة في كل أنحاء الرواية ..سواء حضوراً حقيقياً ..أو مجازياً ..فلم تكد تفارق روايتها في جزئية ..أو "حركة" من حركاتها ..

فمن الفلامينكو ..الأندلسي الإسباني ..إلى سمفونية موزار الخامسة ..ثم ذكر الأسطورة البيتهوفينية التاسعة وفصول فيفالدي الأربعة ..و Ballade pour Adeline لكلادريمان، ختاماً وفي أكثر من مكان ..دانوب شتراوس الأزرق.. لتعلن أن:



حقيقةً ..أعجبتني ثقافتها الموسيقية الرفيعة ..أضافت لي الكثير، سواء مما ذكرت أو مما وقع في طريقي بعد أن بحثت عما لم أعرفه .. وكذلك لاستخدامها المستمر للموسيقى "كمعنى" ..كـ "صولفيج" ..في أنحاء الرواية ..ليس أبرزها تقسيمها "لحركات أربع" على طريقة ألف ليلة وليلة!

لكن ..مع ذلك ..كان لدي إحساس غير مريح في الإفراط الاستعراضي أحياناً ..ربما كان مصدر عدم الارتياح هو حصر الذوق الموسيقي في بيئة "الثراء" ..الأمر الذي سيكون لي فيه وقفة ..في الحديث حول مذهبها في الحب!

النظرة السياسية ..والفكرية ..

اتفقت مع مواقفها الفكرية والسياسية بشكل عام..فهي أولاً ..تقف على مسافة متساوية إلى حد ما فيما يتعلق بالإرهاب ..إرهاب الجماعات التكفيرية..وإرهاب الدولة ذاتها ..أو بمعنى أصح ..حاجتها -أي الدولة- لوجود الإرهاب لتبرير وتمرير العديد من صنائعها ..تماماً كالبرابرة الذين ظل الجميع في انتظار خطرهم ..ودفعوا ثمن انتظارهم أكثر من مرة! 
 

في المقابل ..أبرزت في الرواية وجه آخر من أوجه الإرهاب ..الإرهاب المجتمعي الذي قد يبرر للقاتل فعلته انطلاقاً من تكفير أو اختلاف طائفي ..لكنه ليس مهيئاً بعد لاستيعاب فكرة "الحب" فيحاربها بشراسة، كما ذكرت:

وهي حقيقة مرّة، وأذكر أنني توقفت عند قصة ذكرتها لمدرس اتخذ أشد العقوبات ضد طالب عمره 12 عاماً، بعد أن كتب لزميلة له في الفصل كلمة "أحبك"..ووصل الأمر حد فصل هذا الطالب ..!

كان تعليق مستغانمي ..


لا أدري لمَ ذكرتني هذه القصة تحديداً بقصة مررت بها وأنا في الصف الثاني الابتدائي..تذكرتُها وتعجبت ..لأني توصلت أن الإرث الكبتي ..والقيود الخانقة قد تتسرب من الآباء لأبنائهم في عمرٍ مبكرة جداً ..تجعل من الطفل حبيس أدراج العقل القبلي قبل أن يدرك حتى معنى كلمة حياة!

القصة حدثت وأنا حديث العهد ببلدتي ..وكنتُ قبلاً في مصر ..وكانت علاقة الأطفال من الجنسين في المراحل الابتدائية عادية جداً ..كأي صداقة أطفال يلعبون مع بعضهم ..لذلك لم تشكل فكرة الحديث مع الفتيات أو حتى اللعب معهم مشكلة لدي حينما انتقلت من تلك البيئة ..إلى غزة ..
في الفصل ..كان مقعدي على حدود الجهة التي تبتدئ عندها مقاعد الفتيات ..حدث أن تأخرت المُدرسة عن الفصل..كانت الفتاة القريبة من مقعدي تحاول صنع شيء بورقة في يدها ..ولكنها لم تنجح في ذلك ..
تناولت ورقة أمامي ..وصنعت لها سفينة ..وأعطيتها إياها ..فما كان منها إلا أن ألقتها أرضاً بعنف ..دون أن تتكلم بكلمة واحدة!
كانت ردة فعل غريبة ومفاجئة ..جعلتني من يومها أحرّم على نفسي الحديث لأي ممثل من الجنس الآخر ..الجنس القاسي! ..رغم سطوع نجمي في الفصل ..والمدرسة بعد ذلك!
حقاً ..لم أتنبه لسر عقدتي الطويلة من الجنس الآخر ..التي لازمتني سنين طويلة بعدها ..إلا وأنا أقرأ في هذه الرواية ..وذهبتُ في تفكيري لما هو أعمق ..لماذا كانت ردة فعل الفتاة بتلك الطريقة؟!
لم أجد إلا أنها وُضعت في كبسولة متطرفة منذ نعومة أظفارها ..هذا القيد الذي يُحرّم ويَحرم منذ سن مبكرة ..بطريقة تخلق الكبت..تخلق مجتمع منافق ومنفصم عن ذاته .. بدلاً من سلوك قويم ..حقيقي وصادق! هذا المجتمع حقاً ضحية جهل مدقع!

لذلك اتفقتُ تماماً مع الخاتمة التي ختمت مستغانمي بها تلك القصة قائلةً: 



في المقال التالي ..أتحدثُ عن مذهب الحب عند مستغانمي ..كما عكسته الرواية ..وتفاصيل أخرى ..

الثلاثاء، 17 يناير 2017

هل الأنثى شيء ..؟!









بينما كنتُ أكسرالملل بمحاولة تذوق بعض الشعر، وجدتُني أطلبُ المتنبي، لضمان تحقيق الهدف المنشود ..فلاحت رائعته في رثاء محبوبته "أخت سيف الدولة" والتي يقول في مطلعها:

يا أُخْتَ خَيرِ أخٍ يا بِنْتَ خَيرِ أبٍ ***  كِنَايَةً بهِمَا عَنْ أشرَفِ النّسَبِ

 إلى أن وصلتُ إلى: 

 وَإنْ تكنْ خُلقتْ أُنثى لقد خُلِقتْ  ***  كَرِيمَةً غَيرَ أُنثى العَقلِ وَالحَسبِ



وهنا توقفتُ ..وتعجبت! فمعيار تكريم الأنثى في عصرهم، في عقلها وحسبها هو مدى اقترابهما من التذكير ..! وكأنه من المخجل أو المعيب في زمانه أن يذكر محاسن كرمها بصفتها المؤنثة المجردة! 

لكن الغريب أن يأتيَ البيت التالي ..بشكل يُظهر أن في نفس المتنبي شيء يدفعه لأن يُفرد لمحبوبته -على استحياء- نوعاً من التميز عن قومها ..حين قال:

وَإنْ تكنْ تَغلِبُ الغَلباءُ عُنصُرَهَا *** فإنّ في الخَمرِ معنًى لَيسَ في العِنَبِ

وما يرمي إليه ..أنه وإن كانت من قبيلة تغلب -المعروفة بمكانتها- فإنها رغم ذلك تملك مزيتها الخاصة ..تماماً كالخمر الذي يحمل في مذاقه تفرداً يختلف عن أصله ..العنب. 

وهو في هذا البيت ..قد أسبغ عليها شيئاً مما وصف به نفسه ..في بيت من أفخر ما قيل في النفس ..

لا بقومي شرُفت بل شرُفوا بي *** وبنفسي فخرت لا بجدودي

 وهو بصنيعه هذا يعكس مدى حبه لها ..فمعروف كم كان يعتد المتنبي بنفسه ..ومن يتصف بنوعية اعتداده صعب أن يحمل صفاته لغيره، إلا لذوي المنزلة الرفيعة! 

وعودة إلى أصل الموضوع ..يظهر بالفعل مدى صعوبة مدح الأنثى لذاتها في عصره، والتحرج من ذلك، ففي مطلع قصيدته شرّف مكانتها بنسبها إلى أخيها وأبيها ..ثم البيت الذي يُقرُ فيه بأنها حازت مكانة مميزة لأنها امتلكت عقلاً "غير مؤنث". لكنه مع ذلك، حاول تمرير مدحاً مغلفاً .. في قصيدة أخرى علّه يؤثر في نظرة المجتمع حين قال في محبوبته أيضاً: 

ولـــو أنّ النـــساء كمـن فـــقـدنــا *** لفُضلت النساء على الرجالِ
فما التأنيثُ لاسم الشمسِ عيبٌ *** ولا الــتــذكــير فـــخرٌ للـهلالِ

 إذن ..هو كان يتعامل مع ثقلٍ مجتمعي رهيب ..يحاول أن يخترقه بوجل! 

لكن في الواقع ..وللأسف ..أرى أن هذا الإرث لم ينتهِ بعد ..وهذا الثقل ما زال يُلقي بظلاله في مواطن كثيرة في حياتنا.. وفي مجتمعاتنا، ما زال البعض يسوّد وجهه وهو كظيم ..إذا بُشر بالمولودةِ الأنثى ..ما زال البعض ..يقول للبعض الآخر "الله يعوض عليك" ..إذا رُزق بالإناث ولم يرزقه الله بالولد ..الذي سيزول ويذهب ذِكر اسمه وعائلته أدراج الرياح إذا لم يأتِ ..! وما زالت المرأة تدفع ضريبة أن الولد لم يأتِ بعد ..فُتطالبَ باستمرار الإنجاب حتى تأتي به ..بغض النظر عما يصيبها من إرهاق جسدي من أجل هذا الهدف المنشود ..الذي ستتوقف من غيره الحياة! ومن أجل التخلص من الشفقة المجتمعية المقيتة!

ما زالت المرأة تُعاني في الإرث ..في لقب "المطلقة" ..في كثير من التفاصيل التي جعلت من "التأنيث" ..مشكلة بحد ذاتها! 
المشكلة أننا في هذا السياق وهذا الحصار المجتمعي ..لا نلتفت إلى مدى التفوق الذي حققته "الأنثى" في كثير من المجالات ..ويكفي فقط أن تستطلع الأمر من البدايات ..من المراحل المدرسية لتُدرك الفارق! فهي أصبحت -حقيقةً لا شك فيها- كياناً يُعوّل عليه بذاته ..يُكتفى به ..وبلمسته الحانية على عائلتها ..والتي حدث في قصصنا التراثية أن بقيت ..وذهب البنون!

قال ابن عُربي .."المكان الذي لا يُؤنث ..لا يُعوّل عليه" ..وأقول أنه في زماننا إنصافاً ..كل ما لا تُصيبه لمسة أنثى ..لا يعوّل عليه ..








الأربعاء، 11 يناير 2017

عادة اجتماعية في الزواج..أقل ما يُقال عنها أنها مستفزة للغاية!



كثيراً ما تستوقفني العديد من مظاهرنا وعادتنا الاجتماعية في المجتمع العربي ..حتى أن فكرة تخصيص كتاب اجتماعي يناقش مجتمعنا وعادته بإسهاب وتحليل ..استهوتني كثيراً لولا الوقت وخشيةً من عدم نضوج المجتمع بما يكفي لتقبل ما قد يُطرح عليه! 

لكن ..قد أناقش في تدوينات جزئيات معينة على طريقة "بقعة الضوء" ..بالتركيز على جانب بعينه ..بشكل سريع ومركز ..

أبدأها بعادة ..أقل ما يُقال عنها أنها مستفزة للغاية ..وهي تقبع ضمن الزواج على الطريقة التقليدية ..أو ما يُعرف بين الناس باسم "زواج الصالونات" ..وهي حينما تُصرّح والدة الشاب المقبل على الزواج عن إعجابها بإحداهن ..ثم يتبين لها -لسوء الحظ!- أنها متزوجة ..فيظهر حينها السؤال المستفز .."ألها أخوات بنات ..؟!" ..!! 

أما الأكثر استفزازاً ..هو حينما يصدر هذا السؤال عن الشاب نفسه ..حينها تأكد تماماً أنه يملك عن الحياة الفكرة الخطأ ..ويبحث عن الشيء الخطأ ..في المكان الخطأ ..وباختصار ..هنالك خطأ قاتل في مفهومه عن الإنسانية ..المرأة ..والحياة ..! 

أعزائي في المجتمع العربي ..

أولاً ..كل إنسان هو كيان بذاته ..غير قابل لمبدأ النسخ واللصق .."Copy ..Paste" ..! من رأيتَها وأعجبتك هي كيان ..وأخواتها كلٌ منهن كيانٌ آخر مستقل بذاته وعاطفته ومشاعره .. لا علاقة لواحدةٍ منهن بالأخرى ..فهذا المبدأ في البحث يصلح حينما تبحث عن مانيكان ..وليس عن شريكة حياة تُبادلها الحب والمودة والرحمة ..

ثانياً ..النظرة التشيئية للمرأة ..هي أمر لا نستطيع أن ننتهي منه للأسف ..والطامة الكبرى أن من يُشارك فيها ويُبقيها ويعززها هي المرأة نفسها ..فالأمر كما ذكرت قد يبدأ من والدة الشاب ..وهي امرأة ..والأولى بها أن تنحاز بشدة ضد فكرة "التشييء" حتى لو كان الطرف المضاد هو ابنها .. 

أخيراً ..هي أزمة المنطلقات ..منطلق المواصفات القياسية الظاهرية ..وانفصالها عن الجوهر ..والحقيقة أنه بعد المعشر عادةً ما ينفصل المظهر ..ويبقى الجوهر ..وهو الأدوم ..ربما هذه النقطة بالتحديد سيكون لها إسهاب بالغ لو ناقشت الزواج التقليدي ذات يوم ..لكن حتى حينه ..أستغرب بشدة الزواج دون البحث عن أدنى خيط من الانسجام العقلي ..والروحي ..والعاطفي ..ويُكتفى في الشائع بانطباع العين وتقييم العقل فيما يشبه تقييم لوحة فنية في دقائق معدودة ..تعكس لك لقطة واحدة من لقطات الحياة ..! 


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More