تعديل

الاثنين، 23 يناير 2017

عين على: الأسود يليقُ بكِ .. ج1


كانت الفكرة أن أُبحر قليلاً في غير بحر الفكر الذي يُصيب الروح بالجفاف ..وبالتالي كان خيار الروايات هو الأمثل ..

لكن ..بعد خيبة الأمل الأدبية في رواية "حبيبي داعشي" ازداد ظمأي لبعض المنحوتات الأدبية ..وراقت لي فكرة القراءة لأحلام مستغانمي بعد اقتراح من أصدقاء لروايتها التي لاقت رواجاً واسعاً "الأسود يليق بكِ" ..ولثقتي بأنني وإن لم أغنم قصةً جميلة ..فسأخرج بارتواء أدبي، كوني قرأت لها العديد من المقتطفات مسبقاً ..التي تؤكد على قوة الأسلوب ..وجزالة العبارة .. استحسنت الفكرة ..وقررت البدء ..

سابقاً ..وحتى قبل خروج روايتها إلى النور في 2012 ..كنت أحتفظ برواياتها الأسبق في مجلد ..ذاكرة الجسد..فوضى الحواس وعابر سرير ..إضافة إلى "الأسود يليقُ بكِ" ..التي لحقتهم فيما بعد صدورها ..إلى حين يأتي وقته.

كنتُ قد كونت قناعتين عن رواياتها بشكل عام، توصلتُ إليها من المقتطفات التي كانت تقع في طريقي .. ومن مراجعات ومناقشات قديمة كانت تدور في أروقة المنتديات ..الأولى أنها روايات تناسب الذوق النسائي أكثر، أما القناعة الثانية ..فهي أنه من العبث أن أقرأ لها بعد أن اتهمها بعض نشطاء المواقع بأنها "المتسببة في عنوسة ملايين الفتيات" في العالم العربي، ألقت بكل عوالم خيالها التي علقتهم بها خلفها ..وتزوجت بملياردير خليجي!وبالتالي ..لا معنى لكل هذا الخيال سوى إضاعة الوقت!

لكن مع ذلك، تركتُ القناعتين جانباً ..ونفضتُ الغبار عن المجلد ..وبدأت بالإبحار ..قبل أن يتسنى لي أن أتبين عدم صحة القناعة الثانية بعد أن انتهيت من الرواية! حيث كنت أود تذكر تفاصيل الحدث، ووقفت على أن الخبر لم يكن صحيحاً مطلقاً ..! وهو درس يُضاف إلى قائمة الدروس بتحري أي أمر ..قبل تبنيه ورفعه لمصافّ القناعة!

إلى لب الرواية ..


كما ذكرت ..وكما كنتُ قد توقعتُ وقدرّت ..كان الأسلوب مميزاً ..وقوياً ..يأخذك صعوداً وهبوطاً ..ويبدو لي أن أسلوبها ذاتُه تأثر بتأثرها وولعها بالموسيقى التي كانت حاضرة في كل أنحاء الرواية ..سواء حضوراً حقيقياً ..أو مجازياً ..فلم تكد تفارق روايتها في جزئية ..أو "حركة" من حركاتها ..

فمن الفلامينكو ..الأندلسي الإسباني ..إلى سمفونية موزار الخامسة ..ثم ذكر الأسطورة البيتهوفينية التاسعة وفصول فيفالدي الأربعة ..و Ballade pour Adeline لكلادريمان، ختاماً وفي أكثر من مكان ..دانوب شتراوس الأزرق.. لتعلن أن:



حقيقةً ..أعجبتني ثقافتها الموسيقية الرفيعة ..أضافت لي الكثير، سواء مما ذكرت أو مما وقع في طريقي بعد أن بحثت عما لم أعرفه .. وكذلك لاستخدامها المستمر للموسيقى "كمعنى" ..كـ "صولفيج" ..في أنحاء الرواية ..ليس أبرزها تقسيمها "لحركات أربع" على طريقة ألف ليلة وليلة!

لكن ..مع ذلك ..كان لدي إحساس غير مريح في الإفراط الاستعراضي أحياناً ..ربما كان مصدر عدم الارتياح هو حصر الذوق الموسيقي في بيئة "الثراء" ..الأمر الذي سيكون لي فيه وقفة ..في الحديث حول مذهبها في الحب!

النظرة السياسية ..والفكرية ..

اتفقت مع مواقفها الفكرية والسياسية بشكل عام..فهي أولاً ..تقف على مسافة متساوية إلى حد ما فيما يتعلق بالإرهاب ..إرهاب الجماعات التكفيرية..وإرهاب الدولة ذاتها ..أو بمعنى أصح ..حاجتها -أي الدولة- لوجود الإرهاب لتبرير وتمرير العديد من صنائعها ..تماماً كالبرابرة الذين ظل الجميع في انتظار خطرهم ..ودفعوا ثمن انتظارهم أكثر من مرة! 
 

في المقابل ..أبرزت في الرواية وجه آخر من أوجه الإرهاب ..الإرهاب المجتمعي الذي قد يبرر للقاتل فعلته انطلاقاً من تكفير أو اختلاف طائفي ..لكنه ليس مهيئاً بعد لاستيعاب فكرة "الحب" فيحاربها بشراسة، كما ذكرت:

وهي حقيقة مرّة، وأذكر أنني توقفت عند قصة ذكرتها لمدرس اتخذ أشد العقوبات ضد طالب عمره 12 عاماً، بعد أن كتب لزميلة له في الفصل كلمة "أحبك"..ووصل الأمر حد فصل هذا الطالب ..!

كان تعليق مستغانمي ..


لا أدري لمَ ذكرتني هذه القصة تحديداً بقصة مررت بها وأنا في الصف الثاني الابتدائي..تذكرتُها وتعجبت ..لأني توصلت أن الإرث الكبتي ..والقيود الخانقة قد تتسرب من الآباء لأبنائهم في عمرٍ مبكرة جداً ..تجعل من الطفل حبيس أدراج العقل القبلي قبل أن يدرك حتى معنى كلمة حياة!

القصة حدثت وأنا حديث العهد ببلدتي ..وكنتُ قبلاً في مصر ..وكانت علاقة الأطفال من الجنسين في المراحل الابتدائية عادية جداً ..كأي صداقة أطفال يلعبون مع بعضهم ..لذلك لم تشكل فكرة الحديث مع الفتيات أو حتى اللعب معهم مشكلة لدي حينما انتقلت من تلك البيئة ..إلى غزة ..
في الفصل ..كان مقعدي على حدود الجهة التي تبتدئ عندها مقاعد الفتيات ..حدث أن تأخرت المُدرسة عن الفصل..كانت الفتاة القريبة من مقعدي تحاول صنع شيء بورقة في يدها ..ولكنها لم تنجح في ذلك ..
تناولت ورقة أمامي ..وصنعت لها سفينة ..وأعطيتها إياها ..فما كان منها إلا أن ألقتها أرضاً بعنف ..دون أن تتكلم بكلمة واحدة!
كانت ردة فعل غريبة ومفاجئة ..جعلتني من يومها أحرّم على نفسي الحديث لأي ممثل من الجنس الآخر ..الجنس القاسي! ..رغم سطوع نجمي في الفصل ..والمدرسة بعد ذلك!
حقاً ..لم أتنبه لسر عقدتي الطويلة من الجنس الآخر ..التي لازمتني سنين طويلة بعدها ..إلا وأنا أقرأ في هذه الرواية ..وذهبتُ في تفكيري لما هو أعمق ..لماذا كانت ردة فعل الفتاة بتلك الطريقة؟!
لم أجد إلا أنها وُضعت في كبسولة متطرفة منذ نعومة أظفارها ..هذا القيد الذي يُحرّم ويَحرم منذ سن مبكرة ..بطريقة تخلق الكبت..تخلق مجتمع منافق ومنفصم عن ذاته .. بدلاً من سلوك قويم ..حقيقي وصادق! هذا المجتمع حقاً ضحية جهل مدقع!

لذلك اتفقتُ تماماً مع الخاتمة التي ختمت مستغانمي بها تلك القصة قائلةً: 



في المقال التالي ..أتحدثُ عن مذهب الحب عند مستغانمي ..كما عكسته الرواية ..وتفاصيل أخرى ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More