ربما يكون الحب من النظرة الأولى هو أسرع مراتب الحب، لكن الحب الذي يبتدئ بالإعجاب ..ثم اتصال الروح بالروح ..هو أرسخ درجات الحب..تماماً مثل كرة الثلج التي تتحول إلى جبل شامخ!
التكلف في الحب ..من الموبقات!
على طريقة مستغانمي ..كان الحب أرستقراطياً جداً، وفيه تكلّف ..وخصوصاً من ناحية الرجل. كان يعتمد على الترتيبات والمفاجئات "المدروسة" بعناية! يستمر التحضير لها فيما يتجاوز الشهر ..والشهرين أحياناً! ومع ذلك، وإنه وإن كان هنالك تكلف أو استعداد للقاء المحب في أبهى صورة ..فلا وجود للتكلف في مشاعر الخلوات ..التي لم تحكيها الرواية بشكل كافٍ يتناسب مع ملحمية الرواية!
وقد أجمع العُشّاقُ أن للحب عذاب ..وفيه لذة ..وللبعد ألم ..وبه لوعة ..ولذلك تعجبت لقلة ما عرّجت على مشاعر "العاشقَين" في الفترات التي امتد فيها الانقطاع لأزْيَد عن شهر ..! اقتصرت الصورة على شيء من اللهفة والشوق من جانب العاشقة ..أما "العاشق" فكان منغمساً في "بزنسه" ..وخلال ذلك يخطط لمفاجئته التالية ..الباذخة!
الغريب ..أن هذا الانقطاع الطويل ..وإن تمخض عن لقاء ملحمي ..فاخر ..فهو منفصل عن فكرة عذاب البعاد ..وهذا لعَمري لا يحدث بين الأصدقاء المقربين ..فتراهم على تواصل يوماً بيوم ..ولو على هامش اليوم!
وقد يقول قائل: "إن هذا والله ما أفسد طعم الحب ..فأين أيام الرسائل الورقية ..والمكاتيب ..وانتظار نطق نص الحبيب ..فقد أفسد التواصل الحديث معنى اللهفة والشوق"!
وقد أتفق معه في جمال ذلك الزمان والأسلوب، لكني لا أتفق في افتقار الرواية في تلك العلاقة المقترحة لتسليط الضوء على الشوق والحنين ..
مع ذلك، فذاك رأيي، ولم تغفل الكاتبة عن الإشارة لمذهبها، فقد كان يبدو أن رأيها الخاص يُفضل هذا النوع من العلاقات، حينما ذكرت:
على كلٍ.. ربما كانت الكاتبة معنية في روايتها بعلاقة بهذه التفاصيل تحديداً ..وخصوصاً الاستعانة بشخصية "البزنس مان" الذي يستطيع بماله أن يحصل على ما يريد انطلاقاً من مبدأ "الإبهار"، لكن مع ذلك كان الاشتياق الحقيقي خافتاً كذلك من جانب المرأة ..والمعروف أن النساء أكثر عذاباً ولوعة! طبعاً بغض النظر عن اعتراضي على منطلق مستغانمي في اختيارها لنموذج العلاقة الذي عرضته ..بطريقة انتابني فيها شعور وكأنها تقول بأن هذا نموذج الرجل الخارق ..ومع ذلك سأحطمه في نهاية الرواية ..!
وحقيقةً ..هذه الخيار يُذكرني بالصورة التالية ..التي تتحدث عن نفسها ..وتُشير إلى عدم إنصاف النموذج الذي قدمته ..
وهذه الصورة بدورها ذكرتني بمحاولة "البزنس مان" فرض رؤيته المهنية على "محبوبته"، رغم النجاح والشهرة اللتان حققتهما! كما في القصاصة التالية:
وللمصادفة، كنت في وقت قراءتي لهذه السطور قد شاهدت مقطعاً من مسلسل ملوك الطوائف، في مشهد بين ابن زيدون ومحبوبته ولّادة بنت المستكفي، وهو يطالبها باعتزال مجلسها الذي اعتادت عقده، لكنها رفضت ذلك، وكان لها في ذلك رأياً تُصرّ عليه!
هذا الحوار كان في زمان الجواري والعبيد ..لكن في الرواية لم تجعل الكاتبة لبطلتها أي نوع من ردة الفعل، في زمان من المفترض أنه أكثر حرية!!
أما الأمر الذي حيّرني ..هو موقف الكاتبة الحقيقي من الحب الباذخ ..القائم على الاستعراض ..والتحليق بين مدن العالم ..فمن حدائق التويلري في باريس .. Jardin De Tuilerie إلى ذلك الفندق العريق في فيينا ..فتارة كانت تُلمح إلى جمال حياة البسطاء ..وتنال بالنقد المتواري أيضاً ..شيئاً من طباع الأثرياء ..
أو تقف في منطقة متوسطة إلى حدٍ ما ..
لكن الذي خرج عن النص ..هو انتصارها للمكان وفخامته على بطلة الرواية ..بطريقة وضعتها في خانة السخرية من قدرة البسطاء على صنع حب قلبي ..تتحطم أمامه المظاهر البرّاقة ..!
طبعاً ..لو أن الحب اقتصر على هذا المذهب ..لحُرم البسطاء من غذاء القلب والروح ..واقتصر على أثرياء الجيب ..لكن الحمد لله أن ثراء الحب ..يقترن بنبض القلب ..وهي مشاعر لا تُقدر بالمال ..
ولأمانة النقل والنقد ..فقد تلى تلك القصاصات قصاصة ..خُيّل إلي أن فيها نوعاً من النقد لتلك المظاهر ..أو شيئاً من تصحيح المسار ..وهذا ما جعلني أحتار في حقيقة موقفها:
يبقى أن أُشير إلى تناقض غريب ..يتناقض مع ما كان يحدث من فراق طويل بين الحبيبين ..ومع فكرة فن المسافة! وهو مستقى من الحوار التالي:
في النهاية ..التحليل ..أو النظرة على الرواية ..هي على سياق الرواية نفسها وما تعكس من وجهة نظر الكاتبة ..بغض النظر عن شخص الكاتبة أو حتى وجهات نظرها الحقيقية التي قد لا تصل بصورة كاملة خلال السياق الروائي..لذلك هو نقاش لوجهات النظر لا أكثر ..وبالتأكيد كذلك لستُ ضد مبدأ الإبهار ..السفر ..التملك ..التحليق ..الثراء الباذخ ..لكني ضد أن يكون هذا هو مذهب الحب الأوحد!
لم تتغير قناعاتي ..أن روايات مستغانمي مناسبة أكثر للذوق النسائي، خصوصاً فيما يتعلق في فكرة "الإبهار" ..لأنه ربما كان أقل تأثيراً على قارئيها من الرجال ..لكن في المقابل ..لا يحد ولا يمنع الفضول المعرفي من اقتحام الذوق النسائي كذلك!
كان في خلدي الكثير لأتحدث عنه، لكن دائماً ما تضيع أكثر الأفكار ..لكنها في كل الأحوال رواية تستحق القراءة ..لذا عند هذا الحد أنتهي ..
لم تتغير قناعاتي ..أن روايات مستغانمي مناسبة أكثر للذوق النسائي، خصوصاً فيما يتعلق في فكرة "الإبهار" ..لأنه ربما كان أقل تأثيراً على قارئيها من الرجال ..لكن في المقابل ..لا يحد ولا يمنع الفضول المعرفي من اقتحام الذوق النسائي كذلك!
كان في خلدي الكثير لأتحدث عنه، لكن دائماً ما تضيع أكثر الأفكار ..لكنها في كل الأحوال رواية تستحق القراءة ..لذا عند هذا الحد أنتهي ..
ودمتم بود :)
0 التعليقات:
إرسال تعليق