تعديل

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

ماسح الجوخ .. والخداع النفسي ..

  




لم يخلُ زمانٌ ولا مكان من مسّاحي الجوخ .. فأينما حلّ مسئولٌ أو ارتحل..ظهر وتفتّق في المكان، من حيث لا تدري، وتماماً في اللحظة التي يجلس فيها صاحب السعادة على كرسيّه، من يمتشق طبلته ومزماره ليبدأ وصلة التملق المنفرد! 

هدفه هو حجب آذان المدير عن أي صوت محيط، سوى عن نغمته الفريدة في ممارسة التطبيل المتفاني.. وإلقاء معلقات المديح التي تتفوق طولاً عمّا خلده امرؤ القيس وابن كلثوم معاً .. كجلمود "نقصٍ" أتى به حبُ الوصول من أسفل السافلين! 

أدواته ..حنجرة خليعة لا تملّ .. عيون وآذان تترصد الوقت الذي قد يصدر فيه نقاش لأحد قرارات صاحب المعالي، تتنبه غريزة المتسلق القابعة داخله، ويبرز الثعلب ..في ثياب المدافع عن حنكة القائد المؤيد بأمر الله، وصوابية رؤيته، وبُعد نظره اللانهائي، وأنه يمتلك شفافية لا تُقارن في استقراء المستقبل وحتى استشعار واستحضار الماورائيات! كل ذلك يستطيع أن يصوغه بأسلوب منمّق منقطع النظير، ولو كان الحديث أو النقاش يدور حول سعر كيلو الدجاج بالأمس، أو حول التدهور الخطير الذي طرأ على أسعار البطاطس في الآونة الأخيرة! 

ومن أساليبه الناجعة هي محاولة اصطناع الإنجازات الوهمية، وإبراز الحبة وكأنها قبة أو جبل أشم، ليجدد من حظوته ومكانته وأنه الأقرب للمسئول، والأكثر جدارةً بأن يُعتمد عليه. والمهم أن يؤكد مراراً بأن كل ما تم إنما هو برعاية رشيدة وبتوجيهات حكيمة من صاحب السمو التي لولاها لما كان ما كان من إنجاز عظيم..! 

الكارثة في هؤلاء القوم هي أنهم يضربون على وتر الطنبور الأعذب، الذي لا تخلو منه أيّة نفس إنسانية، ومن حصول الانتشاء لها باهتزازه، ولو ادعت أو أظهرت خلاف ذلك بدعوى التواضع، وهو حب سماع المديح والإطراء من الغير، حول الإمكانات المميزة التي تحظى بها. 

لكن ..لا تتمثل حقيقةً موضع المصيبة في هذا الفعل لذاته، فعل الإطراء، فهو قد يكون محموداً في مواضع، وربما مطلوباً كذلك في مواضع أخرى من باب التشجيع الدافع على الاستمرارية، كذلك إذا صدر من الأعلى للأدنى دون حصول الحاجة أو المصلحة، كان شهادة منقطعة النظير، أما إن صدر من الأدنى إلى الأعلى فهو حمّال أوجه، ووجهه الأسوأ هو حينما يكون أحد عوامل الضرر بالمصالح. 

وبيان ذلك أن الشخص "ماسح الجوخ" لا يرى ولا يدفعه إلا مصالحه الخاصة، والوقت المثالي الذي يبرز فيه لينال الحظوة هو وقت نقاش وتمحيص القرارات من قِبل الموضوعيين والمهنيين، الحريصون على انبثاق القرارات الأنسب بطرح وجهات النظر التي قد تكون غابت عن ذهن المسئول، وهذا وارد وواقعي في أي زمان ومكان.  
يبرز المدّاح ويحجب تلك الأصوات، التي هي أهم وأبقى لمصلحة العمل ومصلحة العباد من أرتال المديح التي تُضيّق من زاوية الرؤيا ..وتزيّن الخطأ لتجعله عين الصواب ..فتُعتمد بعدها الخيارات الأقل فعالية والأضيق أفقاً .. ويتحقق مبتغاه في أن يكون "محظياً" لدى أصحاب المعالي! 

الغريب والحقيقة الثابتة، أنه في العادة أو "من المفترض" أن يتصف المدراء والوزراء بالذكاء العالي المتفوّق على أقرانهم وعلى الكثير من غيرهم بما أوصلهم إلى المكان الذي يشغلونه، إلا أنهم آخر من يكتشف أو يستشعر بوجود "ماسح الجوخ".


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More