معضلةٌ واحدة قد تستغرق أعواماً حتى تتبدى ..و تُدرك مغزاها ويتبيّن لك وجهها الأمثل الذي تُحمل عليه ..
وقد تكون المعضلة أو الإشكال في فهم أمور علمية أو حياتية ..أو دينية، ولا يدّعي أحدٌ أنه لم تعرض له تساؤلات جوهرية في الدين حتى، إلا من كان فاقداً لمَلكة التساؤل وإعمال الفكر ..وهذا مما ذمّه الدين على من وجدوا آباءهم على أمةٍ ومضَوا على آثارهم يقتدون ..
يقول تعالى:
"قل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملَكا رسولا"
وهذه كما يبدو جاءت في معرِض احتجاج قريش وتبريرهم لعدم إيمانهم أن من بُعث إليهم برسالة السماء هو بشرٌ مثلهم ..وليس ملاكاً نورانياً ..
والحق يُقال ..أنني كنتُ كلما قرأت الآية ..أتعجّب حقيقةً من الحجة التي تطرحها كرد على القوم، هل هي كافية وشافية ..؟! ما الفكرة في طرح الاطمئنان بحد ذاته؟!
يلبث الإنسانُ من عمره في الناس سنيناً..فيرى صنوفاً وأنواعا، ويتعامل مع شتى الألوان والأشكال والعقول ..فيخلُص إلى حقيقة واحدة، هي استحالة اجتماع البشر على إبداء الرضا أو القناعة بأحدهم كائناً من كان ..سائراً بهم أيَّ سيرة ..من القبيحة للجميلة وما بينهما، رئيساً كان أو مسئولاً أو ربما كان في رِفقة من الأصحاب ..!
ولكن ما علاقة هذا بالأمر ..؟!
العلاقة أنني بتُّ على قناعةٍ تامة أنه وحتى لو أرسل الله ملائكةً مقربين، تلك الكائنات الشفافة الصافية النورانية ..وسارت بين الناس تدعوهم إلى الله ..ثم اعتاد الناس وجودهم وزالت تلك اللحظة الباهرة من التعجب والاستغراب من هيئاتهم مع الوقت ومرور الزمان، فإن أولئك المساكين لن يسلموا من أن يُطعنوا في ظهورهم ..وأن تجلدهم الألسنة الحِداد في كل مجلس ..رغم سلوكهم الملائكي المفطورين عليه ..بل ربما جُلدوا أكثرَ من الشياطين نفسها لو تخيّلنا أن خيار استعمال الشياطين لمهمة موازية وارداً ..فقد أثبتت الحياة أن شياطينها يحظون بتقدير الناس ومهابتهم أكثر من ملائكتها ..
لذلك كله ..ولمدى لطافةِ تكوينهم وحساسيةِ أرواحهم ..فإن جَلْدهم ولو كان بالألسنة فقط ومن أوغاد القوم كفيلٌ بسلب اطمئنانهم والذهابَ به، في انحراف مخيف لنواميس الكون فكان الطين أولى بتقويم بالطين ..ومنه على ما تقدم بعث الله المرسلين ..
ـــــــــــــــــــ
يقول المتنبي:
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ
وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ
0 التعليقات:
إرسال تعليق