تخيّل سيناريو آخر مختلف تماماً عن كآبة الواقع، سيناريو ..لو أن أصحاب الخيام، وسعف النخيل وبيوت الشعر، ممن فاضت أرضهم بالخير والكنوز. الأرض التي عاشوا على ظهرها قروناً دون أن يُدركوا أو حتى أن يخطر لهم ببالٍ أي كنزٍ يقبعون فوقه! تخيّلوا لو أنهم لم يكونوا على هذا القدر المخيف من الجهل!
لو أنهم كانوا على اتصال واحتكاك بالعالم منذ اللحظة التي تفتق فيها العقل البشري، وانفجر في وجه الجهل والتخلف والرجعية، فانتقل بالإنسان إلى درجاتٍ مختلفة تماماً من الحياة بطريقة لم يعهدها ولم يعتدها. تطورت الصناعات ونهضت العلوم بتسارع مخيف جعل من حياة الغرب ترتقي بسرعة تتفوق بسنوات ضوئية على أقوامٍ حولهم لم يتخذوا نفس الأسباب، بل ربما نظروا إليها على أنها كفر، أو سحر أو من عمل الشيطان!
لو أن قوم البادية القابعة على كنوز النفط، اتصلوا بهذا العالم منذ بداياته، ومنذ بدأ ينهب الأرض ويغزو السماء بحثاً عما يدعم عجلة العلم والصناعة، فتوصل إلى النفط، في الوقت الذي كان فيه أهل البادية يوقدون الشموع من دهون الإبل أو ما شابه، ليضيئوا عتمتهم الطويلة ..لو أنهم فعلوا واتصلوا وأدركوا كيف تُنقّب الأرض وكيف يُستفاد من هذا الكنز، لكانت لهم اليد الأعلى والسبق في السيطرة على الكم الأكبر والثروة الأوفر من الكنز.
لم يكتفِ القوم أنهم امتنعوا عن السعي للحاق بركب الأمم والعلم، بل وضعوا حواجز وموانع بين من "تسوّل" له نفسه من أقوامهم أن يفعل، تارةً بحجج من العادات والتقاليد ودعاوي اختلاف الأعراف وطرق الحياة، وتارةً أخرى بالدين وفتاوى شيوخ مردوا على الجهل، وعلى تحريم التعامل مع "الكفار" أو الإفادة من منتجاتهم أو أفكارهم.
لو أنهم فعلوا ما لم يجدوا لهم واعظاً وقتها، أو ربما وجدوا ووأدوا صوته، وأدركوا أسرار الصناعة، ونقلوا الحضارةَ أولاً بأول، هل كانت بلادهم لتقع رهينة وفريسة للغربي، يلتهمها كيفما شاء؟! هل كانت ستنتظر كل تلك السنون حتى يأتي الغربي، ليُنقب ويبحث الأرض فيُخرج الكنوز التي ضاعت قيمتها على أيدي رعاة الإبل، ويحتفظ باليد العليا ويحكم في بلادهم كما اتفق ومصالحه؟ ألم يكن أصحاب البلاد الآن وفي أيامنا هذه أحد أهم صنّاع الحضارة ومصدريّ التكنولوجيا ..وبالتالي كانت أجندتهم لتكون خالية من مآسي التبعية؟!
ألا سحقاً للجهل ..كيفما تشكّل وحلّ ..ولو لبس ثياب الدين نفسه ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق