تعديل

الاثنين، 6 أغسطس 2018

عزفٌ على أنغام الوجع ..أولاد الغيتو ..

لا أدري ..هل من الممكن أن يجد المرء في اللغة بعض الاستعارات التي تُعبر عمّا قرأ في هذه الاختزالات الشديدة التي نُسمّيها مراجعات ..؟! 

لستُ خبيراً فيما أنتج الأدب الفلسطيني، وأدب النكبة، لكن رغم ذلك لا أتوقع أن أحدهم شهق بمثل ما كتب آدم دنّون فيما لا يحتويه تصنيف أدبي..سوى ما اجتهد به إلياس خوري وأطلق على تلك السردية "أولاد الغيتو" أو "اسمي آدم". 




ربما يمكن الحديث عنه أنه النص الذي قتل صاحبه، فما لبث أن غادرته الروح ..بعد أن أنهاه بقليل ..!

كيف يُمكن للذاكرة أن تكون بمثل هذه القسوة ..؟! 

كيف تستيقظ ذاكرة الطفولة في كهل ..فتُشقيه في آخر أيامه بمرارة الماضي ..؟!

آدم دنّون، نسبةً "لأبيه" الشهيد حسن دنّون أحد أبطال النكبة .. شخصية فريدة خسرها الأدب عامةً ..والأدب الفلسطيني خاصة ..

تتفتح أمامه ورقات الماضي .. بدءاً بقصة آبائه، الذين يكتشف علاقته بهم واحداً تلو الآخر، ليصل إلى قصته الحقيقية .. رضيع مُلقى على صدر أمه التي استُشهدت في أحداث النكبة، ثم ماضي الغيتو الذي لبث فيه فقط السبع سنوات الأولى من عمره ..ليكتشف أن الذاكرة ليست بتلك الرحمة التي يُحدث عنها البعض حينما يتكلمون عن تفريغ الآلام بفعل الكتابة ..

 حينما بدأت في قراءة ما كتب ..أدركتُ أنني أمام تجربة فريدة .. دسمة أدبياً ..وموجعة تاريخياً .. 

هربتُ منها مراراً إلى أكثر من كتاب ..لأعود إليها في كل مرة دون وعي ..

لستُ أكتب هنا لأصف بالتفصيل ما قرأت، فكما ذكرت ..ربما يقع في دائرة المحرّم أدبياً أن تُختزل مثل هذه التجربة، إنما أردت أن أُخبر من يمر من هنا أن هنالك ملحمة في سطور ..في حياة شخص ربما كان مغموراً في الوسط الأدبي ..العربي، لكنه امتلك لغةً جزلة ..وقصةً تهزّ الوجدان ..خصوصاً إن كنت من أهل الحكاية وخاصتها .. 

ما أوجع القلب، بعد أن أنهيت حكايته، أنني تأملتُ في الحالة الفلسطينية، فوجدت الغيتو (البقعة المسيّجة التي تجمع الناس في بقعة صغيرة، في ظروف حياتية صعبة ومحاطة بطوق عسكري، تجري عليهم فيها أحكامه بلا رحمة) وجدته كأنه بات ملتصقاً بالهوية الفلسطينية ..بعدما كان من حكايات اليهود وقصة غيتو وارسو .. 

لا أدري ما العلاقة بيننا وبين الغمّة ..وكيف لنا أن نُصبح مبدعين بهذا الحد في اكتشاف غيتوهات .. تلو الغيتوهات ..بأيديينا قبل يد الأعداء .. كيف أصبحت الحزبية والانقسام إحدى الغيتوهات التي لا فكاك منها ..فألقت بنا في مآزق وليدة مآزق حتى ضاعت من قوامسينا مفردة: سقف الأمل، بل سقف المأزق الأخف ضرراً ..!  

ـــــــــــــــــــ

كيف استيقظت ذاكرة طفل في رجل أحاطت به الأنوار في مدينة الأحلام ..نيويورك ..! 

أكثر ما هزّ الروح بعنف الرهبة والرعشة .. بألم الذاكرة التي لاحقت آدم في مدينة الأحلام هو وصفه الدقيق لحالة الشعب المنكوب ..الذي أصبح ضحيةً لضحية .. حينما تحدث عن أدب الصمت ..! 

الصمت الذي أطبق على كل شيء ..بعد أن حلّت خريطة بدلاً من خريطة .. واستُبدل شعب ..بشعب آخر أسقط كل عذاباته التاريخية على من لم يُشارك في تعذيبه ..

تحدث عن حالة الصمت ..التي حلّت على شبّان غيتو اللد ..وهم يدفنون موتى المدينة التي ماتت قبل أهلها ..في مقابر جماعية ..

قتلني وصفه للموتى وغياب الملامح ..وما أجهز على ما تبقى من الجلَد، حينما ختم روايته بشهادة مراد العلمي ..أحد شُبان غيتو اللد، الذي بقي حبيس الصمت سنوات طويلة حتى بلغ السبعين .. وفي لحظة واحدة انفجر أمامه الصمت إلى كلمات مختنقة لتصف يوم المحرقة .. حينما سأم جنود اليهود من عمليات الدفن .. وكثرة الجثث، فأمروا الشبان بتجميع ما تبقى من الجثث في صعيد واحد لحرقها ..! 

يقول العلمي محدثاً دنّون: "إنها اللحظة التي لا يريد أن يتذكرها ..ولا يريد أن يرويها لأحد" 

لن أحاول اختزال المشهد .. وأترك تعليق آدم دنّون عليه كما أورده في المقتطف التالي، وهنا أتوقف .. 






الأحد، 11 فبراير 2018

هل آن أوان أن نوافق على صفقة القرن "الخيانية" ..؟!

يميلُ الناس عادة إلى سماع الآراء أو قراءة المقالات التي تُدغدغ أسماعهم بما يُحبّون سماعه، كالطفل الذي يُصر أن تُروى له حكايته المفضلة قبل النوم لينعم بأحلام لذيذة .. 

أما حينما يُروى الواقع ..في ظل التاريخ واستقراء القادم فإنهم يصمّون آذانهم ..إن لم يجدوا ما يصِموا به أصحاب تلك الآراء الجريئة ..
والتساؤل، ما فائدة الكتابة والآراء إن لم تكن من النوع الثاني؟! 


بناءً على تاريخنا القريب الأغبر، وتجاربنا المتعددة في الحرب والسلام، وبناءً على الأوضاع الحالية الإقليمية والدولية وحتى المحلية التي بلغت مبلغاً لم تعرفه من قبل على المستويات المعيشية والسياسية والاقتصادية والإنسانية ..والآفاق التي تعاني من انسداد كامل وتلوث لا نهائي، لم تنفع معه كل عمليات القسطرة والبسترة ..
بناءً على كل ما سبق ..وعلى ما قيل ويُقال وما سوف يُقال ..يبرز تساؤل هزلي جدي في آن، بحجم حماقة الخيارات المتاحة، وهو: أليس من الأسلم أن ننتهي مبكراً من مسألة الموافقة على "صفقة القرن الخيانية"!

ابتدأ التحدي العربي الصلب حقيقةً على الأقل في المواقف المعلنة، للمشروع الصهيوني منذ ما قبل 48، حتى أن الرفض القاطع لأي تسوية كان هو سيد الموقف دائماً. في المقابل، فإن الموقف الواقعي على الأرض كان سيده الحقيقي من عمل في صمت، دون جعجعة، وخطط وأعد لكل مرحلة بما يُنسابها بدءاً من الإمكانات المادية ..وحتى الخطابات الإعلامية والسياسية. وبالتالي، كانت الصلابة العربية من ذلك النوع القابل للكسر والتطويع مع الزمن ..والانهيار أمام النفس الطويل وعض الأصابع -رحم الله عنترة- وخير دليل أن لاءات الخرطوم الثلاثة ..انقلبت إلى نعم، بل ظهرت حالياً مذاهب وتيارات وممالك تدور في فلك وإرادة من قيل لهم "لا" ولم تكتفِ فقط بالاعتراف بشرعيتهم!
ألم نتحسر على التقسيم ..؟! 
ألم تُصبح حدود 67 حلم بعيد المنال، والمبادرة العربية 2002م وثيقة نتمنى أن يُعمل بها رغم كمية الرفض التي جابهناها به؟!
تساؤلات لم تكن ليُسمح أن تُطرح لولا حجم الخسائر التاريخية، والتي لم تدع لنا مجالاً لأن نفكر بنفس الطريقة، التي لم تُسفر عن شيء منذ عقود .. أفلا يستدعي ذلك مراجعات لتغيير الأداء والأساليب؟! 

المؤسف أن العرب اعتادوا في هذا التاريخ الأجوف أن يكونوا في كل مراحلهم في الموقع الإعرابي للـ "مفعول به"، الذي ينتظر .. ولا يُنتظر أن يأتي منه سوى ردّات الفعل الهوجاء، التي لا تزيد في مخرجاتها النهائية عن التجديف في الهواء. والعجيب، أنهم اعتادوا كذلك أن يكونوا ضحية لنظرية "المؤامرة" التي ويا للعجب ..وللصدفة البحتة، أو ربما الحظ التعس ..دائماً ما تنطلي عليهم ولم تُخلف في ذلك موعداً ولو مرةً واحدة..! 
والسؤال ..لماذا لم يُفكر العرب يوماً في أن يُحاربوا بمثل الطريقة ..المؤامرة، أليس كل شيء مباحاً في الحب والحرب؟! 

لذلك، وحيث أن حاضرنا ليس بأفضل من تاريخنا القريب، بل ربما أسوأ بكثير على الأقل في موازين وحدة الصف واتفاق الكلمة التي عصفت بها الطائفية والتكفير فأودت بالبلد الواحد بل بالمذهب الواحد نفسه، وكذلك في موازين التفوق الحضاري والتقني والفارق الذي اتسع كثيراً عما كان عليه في الماضي، بالإضافة إلى بؤس لا يخفى في انحياز المواقف الإقليمية والدولية، وبؤس آخر أنهك قطب الصراع في غزة الذي تُرك يُنهش ويُطحن حتى وصل إلى مرحلة من الجاهزية للقبول بما لا يُقبل ..والموتى الأحياء يفعلون ذلك، أليس من الأفضل في ظل ذلك كله أن ندع التشنج قليلاً ونستبدله بشيء من الحكمة في تقدير الواقع والخيارات، على أن نضع أهدافنا بطريقة مماثلة لـ"بروتوكولات" من جرّعونا النكسة تلو النكبة ..وأهمها أن نحاول أن نكون أصحاب مال واقتصاد ..ونفوذ على الصعيد العالمي؟ 

ختاماً .. إذا كان خيارنا الرفض للصفقة/الصفعة ..يجب أن نكون بحجمه وحجم تبعاته .. لا أن نصل لمرحلة بعد سنوات ننظر إليه من بعيد كأحد القرارات الدولية التي هي سقف مطالبنا .. حين تكون الأيام قد هوت بنا لمزيد من حضيض ..ما له من قرار ..!

الأربعاء، 7 فبراير 2018

نصف مليون دقيقة في أستراليا ..حينما تتذوق الحروف


 


أؤمن تماماً أن للكتب مذاقات تتشابه في سلوكها مع الناس ..صعوداً وهبوطاً .. حتى أن منها ما هو خفيف على النفس يُحلّق مع الروح وبها .. ومنها ما هو ثقيل لا يأتي ذكره إلا واستحضرتَ ثقل ظلّه! 

هذا الكتاب من الكتب التي لا تتركها لبعض شأنك إلا وأنت تتلهف للعودة إليها ..

هو من أدب الرحلات الذي دوّن فيه صلاح طنطاوي تجربته في الهجرة إلى أستراليا .. وكيف استقبل الحياة واستقبلته فيها ..فابتدأت معه من عكس التوقعات الشائعة أن جنةً كانت في انتظاره! 

شدتني شخيصته التي لا تعرف الاستقرار ولا تميل إليه أو تُحبذه ..وربما شاركني وشاركته في "سرعة الملل" والبحث عن جديد .. لكنه ذهب في ذلك مذهباً لم أسمع قبلاً بمثله .. فهو لا يكاد يصل للنجاح في وظيفة ولشيء من الثبات وربما حتى المتعة .. حتى يتركها ويستقيل باحثاً عن غيرها ..!

تأرجح وتقلّب في دقائقه النصف مليون .. من عامل في مخازن ..إلى أفندي في مصلحة بريد ..ثم  رسام في شركة تُقدم خدماتها ممثلَة في رسومات هندسية لشركات أخرى .. وبين تلكم الفرص التي أصابها العديد من الحكايات والمحاولات التي ارتدت عليه سهامه تنبئه بفشل المحاولة .. 

 
لكن ورغم أنه قضى وقتاً ممتعاً في الأخيرة .. إلا أن زيارة  "شيطان الهدم" كما كان يُطلق عليه، كان لها رأيٌ آخر ..يدفعه في اتجاه تقديم استقالته من هذا العمل الجميل والمريح ..!! وله في هذه الطريقة نظرية بديعة أذكرها لاحقاً في هذه المراجعة ..

بالتوازي مع بداياته في أستراليا.. خامرته الفكرة العظيمة بإنشاء فرقة "أضواء القاهرة" للفن المسرحي الذي حُرم منه في زمانه 50 ألف مهاجر عربي إلى أستراليا ..وهي من اللمسات التي أضفاها لمجتمع من المهاجرين العرب استخفهم الحنين دون أن يجدوا لهذا الظمأ من راوٍ .. فكانت هذه الحالة أحد أهم أسباب نجاحه الباهر ..

الجميل .. أنني ومن وصفه لتفاصيل تجربته مع المسرح وكيفية صناعة الفكرة من جذورها، من تكوين الفرقة وحتى النصوص والبروفات والجدية في التنفيذ، شعرتُ أنها الحياة التي تنتمي له وينتمي لها .. وتُخرج طاقاته في أبهى صورها .. 
أفرد صفحات وصف فيها شيئاً من أستراليا في وقت هجرته إليها عام 1967، وحكى في سياق ذلك قصة نشأتها .. ولشد ما كان تعجبي حينما ذكر أن هذه الدولة التي باتت اليوم مطمح ومطمع الملايين من الراغبين في الهجرة من شتى بقاع العالم، نشأت على أيدي "المجرمين" المنفيين من بريطانيا .. والتي كانت مملكة عُظمى في ذلك الوقت، استغلت بُعد القارة عنها والمسافة الرهيبة التي تفصلها عنها، للتخلص من الآلاف منهم .. إما بموتهم في الطريق التي كانوا يُلاقون فيها أشد العذابات .. أو أن تنتهي بهم الحال في تلك الأرض "البور" فتتقاذفهم الأقدار..!

لكن .. يحدث أن تتفوق الإرادة على القدر ..تلك الأرض استفزت فيهم روح البقاء وجوهر الإنسانية الذي أضاعوه في بقاعٍ أخرى، فزرعوها وعمّروها .. إلى أن جاء اليوم الذي قالوا فيه لبريطانيا "كفى" ولم يستقبل مجتمعهم المدني مزيداً من المجرمين .. ممن قد يُفسد عليهم مدنيتهم، فاتجهت المملكة في 1767م لأن تبحث عن منفى جديد .. الذي لم يكن سوى أمريكا ..! وكانت مناسبة سردية طنطاوي أنه كان فيها في 1967 في الوقت الذي كان يحتفل فيه الأستراليون بمرور مائتي عام على توقف تصدير المجرمين إلى أراضيهم!

غريب حقاً أن يبني المجرمون حضارات عُظمى .. ومدنيات يشهد لها القاصي والداني ويفشل فيها أقوام يدعون أنهم خير من تسعى بهم قدمُ ..رغم أنهم -وفي ازدواجية عجيبة- لا يُفوّتون فرصة ترك أوطانهم المحطمة ليُهاجروا إلى تلك البلاد التي بناها المجرمون ليتمتعوا بحقوقهم الإنسانية التي أُهدرت على تراب الوطن. أليس أمراً يدفع للجنون .. على الأقل على الصعيد الفكري! 

بالعودة لطنطاوي ..فقد حقق نجاحاً مميزاً في مسرحه ..الذي بدأه في كنيسة لعدم امتلاكه ثمن استئجار واحداً ..فرحبت به كنيسة سيدة لبنان التي أدى فيها بروفاته مع فرقته المتواضعة والتي كونها بشيء من الصعوبة ومن أفراد من المهاجرين ليس لهم خبرة في التمثيل .. وكان أن عرض مسرحيته الأولى "سيد درويش" بعد ذلك في كنيسة جميع الأديان بعد أن أكل الحزن فؤاد الأب بوليس خوري بفقدانه أعزاء من كنيسة سيدة لبنان .. ثم جاءت مسرحيته الثانية "روض الفرج" بعد النجاح الباهر للأولى، وهي عن قصة لنجيب محفوظ .. وكتب هو -أي صلاح طنطاوي- نصها المسرحي .. وحينما حان وقت العرض استأجر مسرحاً .. بعد أن أصبح لفرقته صيت جيد يُشجع على ذلك .. وبعد أن امتلك ابتداءً ما يكفي لهذه المهمة من مال .. 


كان قد استقال من عمله السابق كما أسلفت، واستغرق ثلاثة أسابيع ليجد عملاً جديداً كمأمور للضرائب ..بعد أن استحكم به اليأس وظن أنه يدفع ثمن جنونه .. ورغم انسجامه في العمل في الضرائب ورضاه بالعائد ..ورغم أن فرقته الفنية باتت ذات صيت رائع .. إلا أن نظريته العجيبة بأنه: 

"في الوقت الذي تبلغ فيه النجاح والاستقرار ..ليس عليك سوى انتظار الموت"

كانت إحدى خصائصه الغريبة والمميّزة في آن .. وكأني بحكمته في الحياة قد استقاها من الشطر الثاني من بيت خالد للمعتمد بن عبّاد:   

 فالعقل عندي أن تزولَ عقولُ!

قرر أن يترك كل ذلك ويعود إلى مصر بعد حوار مهم مع شيطانه المتخصص في الهدم ..ليبدأ من الصفر .. فهو يرى أنه في كل مرة يبتدئ فيها المرء من الصفر يفتتح شباباً جديداً وطاقةً جديدة يمكنها تأجيل فكرة الموت .. 

حقاً ..يا لها من روح رائعة لا تعترف بالروتين ولا بالحياة الخالية من الإثارة والجديد .. ولولا الزمان والمكان الذي خطّته الأقدار لكنتُ منها .. وكانت مني ..!

الأحد، 10 ديسمبر 2017

سيناريو لترف المخيلة ..لو أن مدن الملح جلبت يوماً شيئاً من السكر!





تخيّل سيناريو آخر مختلف تماماً عن كآبة الواقع، سيناريو ..لو أن أصحاب الخيام، وسعف النخيل وبيوت الشعر، ممن فاضت أرضهم بالخير والكنوز. الأرض التي عاشوا على ظهرها قروناً دون أن يُدركوا أو حتى أن يخطر لهم ببالٍ أي كنزٍ يقبعون فوقه! تخيّلوا لو أنهم لم يكونوا على هذا القدر المخيف من الجهل! 

لو أنهم كانوا على اتصال واحتكاك بالعالم منذ اللحظة التي تفتق فيها العقل البشري، وانفجر في وجه الجهل والتخلف والرجعية، فانتقل بالإنسان إلى درجاتٍ مختلفة تماماً من الحياة بطريقة لم يعهدها ولم يعتدها. تطورت الصناعات ونهضت العلوم بتسارع مخيف جعل من حياة الغرب ترتقي بسرعة تتفوق بسنوات ضوئية على أقوامٍ حولهم  لم يتخذوا نفس الأسباب، بل ربما نظروا إليها على أنها كفر، أو سحر أو من عمل الشيطان! 

لو أن قوم البادية القابعة على كنوز النفط، اتصلوا بهذا العالم منذ بداياته، ومنذ بدأ ينهب الأرض ويغزو السماء بحثاً عما يدعم عجلة العلم والصناعة، فتوصل إلى النفط، في الوقت الذي كان فيه أهل البادية يوقدون الشموع من دهون الإبل أو ما شابه، ليضيئوا عتمتهم الطويلة ..لو أنهم فعلوا واتصلوا وأدركوا كيف تُنقّب الأرض وكيف يُستفاد من هذا الكنز، لكانت لهم اليد الأعلى والسبق في السيطرة على الكم الأكبر والثروة الأوفر من الكنز. 

لم يكتفِ القوم أنهم امتنعوا عن السعي للحاق بركب الأمم والعلم، بل وضعوا حواجز وموانع بين من "تسوّل" له نفسه من أقوامهم أن يفعل، تارةً بحجج من العادات والتقاليد ودعاوي اختلاف الأعراف وطرق الحياة، وتارةً أخرى بالدين وفتاوى شيوخ مردوا على الجهل، وعلى تحريم التعامل مع "الكفار" أو الإفادة من منتجاتهم أو أفكارهم. 

لو أنهم فعلوا ما لم يجدوا لهم واعظاً وقتها، أو ربما وجدوا ووأدوا صوته، وأدركوا أسرار الصناعة، ونقلوا الحضارةَ أولاً بأول، هل كانت بلادهم لتقع رهينة وفريسة للغربي، يلتهمها كيفما شاء؟! هل كانت ستنتظر كل تلك السنون حتى يأتي الغربي، ليُنقب ويبحث الأرض فيُخرج الكنوز التي ضاعت قيمتها على أيدي رعاة الإبل، ويحتفظ باليد العليا ويحكم في بلادهم كما اتفق ومصالحه؟ ألم يكن أصحاب البلاد الآن وفي أيامنا هذه أحد أهم صنّاع الحضارة ومصدريّ التكنولوجيا ..وبالتالي كانت أجندتهم لتكون خالية من مآسي التبعية؟!


ألا سحقاً للجهل ..كيفما تشكّل وحلّ ..ولو لبس ثياب الدين نفسه ..

الاثنين، 27 نوفمبر 2017

يا مسكين ..كم ضاع منك بين الإصلاح ..والتمكين!





أحد عشرّ عاماً من العزلة، مذ أعلن الشعب في غزة أنه يرغب في إجراء بعض التغييرات والإصلاحات ..حيث ملّ الديكور القديم وآن أوان تجربة نوع جديد من التأثيث لأركان المكان ..
لم يكن يعلم أن ضريبة الخيار الديموقراطي ستكون غالية إلى حد لا يوصف ..ولم يكن ليُستقرأ ..

فالجهة المتغلبة بالصندوق، دفعت ثمن فوزها حصاراً كونها مصنّفة عالمياً -لا ليست شاربوفا- كحركة "إرهابية"، ففرضت عليها عزلة سياسية، وحصاراً اقتصادياً على البقعة الجغرافية الأكثر من متواضعة في كل شيء والتي ابتلاها الله بكل هذا الزخم .. ومنه ذاك الحصار الذي أوجد لاحقاً بيئة خصبة للبدء ببعض الاستثمارات المحلية كبديل للـ"برستيج" السياسي! 
الشعب ..دفع نفس الثمن من العزلة عن العالم، وأصبح في تصنيف هو أدنى جداً من التصنيف القرآني للمستضعفين في الأرض، ففي سورة النساء:

 "قالوا فيمَ كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرضُ الله واسعةً فتهاجروا فيها"؟!

والواقع والمعبر يشهدان أنه حتى أرض الله الواسعة لا نستطيع أن نهاجر فيها ولا إليها ..وبالتالي فهذا التصنيف هو نتاج عصري جداً لم يعرفه التاريخ الحافل بحركة القوافل ..!

الشعب دفع ثمن الإجراء الإقليمي الذي ابتدأته إسرائيل، وهو في الحقيقة ومن باب المنظور العدائي منطقي جداً كإجراء مضاد لجهات تنتوي علناً إفناء وجودهم -فالأصل ألا يُستغرب ..بل أن يكون متوقعاً ومدروساً من قبل الجهة التي أقدمت على تلقف الحكم!- ودفع كذلك -أي الشعب- ثمن إصرار الحركة الفائزة على تكملة تجربة الحكم ..رغم أن السماء الملبّدة بالمصائب وبالصواعق المرسلة، كانت جليّة وواضحة دونما حاجة لا  إلى استقراء ولا لجهود المحللين.

دفع الثمن من قوْته ..ومن أمنه ..ومن دم أبنائه الذين انساقوا لقياداتهم في صراع داخلي ..أسفر عن انقسام وطن .. لم يوضع على الطاولة أصلاً .. ثم استمر في دفع ثمن التضييق والخنق والبزنس والأنفاق وثلاثة حروب شعواء حمقاء ..وحرمان من السفر والعلاج وضياع للفرص وأزمات في الكهرباء والمياه والبنى التحتية وإعمار ما دمرته الحروب والفقر والبطالة وأكوام الخريجين وأزمات الموظفين وتوغل وتغول لأهل السلطة والنفوذ في عملية التطور والتطوير المستمرة للبزنس الضارب في أعماق الأوردة ..كل ذلك نسيه أو تناساه الشعب في تلك اللحظة الباهرة التي أعلنت فيها حماس حلّ اللجنة الإدارية وتوجهها للمصالحة مهما كانت التنازلات في سبيل ذلك "مؤلمة"!

دبّت الحياة والآمال في الأوردة المفرغة والقلوب المحطمة التي ضربتها أعاصير اليأس حتى ما كادت تُبقي فيها رمقاً .. بعد أن فُرّقت..وسُجّرت وعُصفت ..!

سبق ذلك جهوداً في اتجاه ما عُرفت بـ"صفقة القرن" والتي كانت مثل بصيص خجول من الأمل، فيما يتعلق تحديداً بـ"انفرجات" على الصعيد الحياتي ..في مقابل كوارث على الصعيد السياسي، بطرح فكرة دولة غزة مع امتداد في سيناء، وتحويل الضفة إلى كنتونات بوصاية أردنية.

لكن ..تلاشى كل شيء فجأة ..!واختفى عن الإعلام ذلك التقارب الناعم بين أعداء الأمس، الذين تكفل الود الحاصل بينهم على عقد جلسة مشتركة للمجلس التشريعي، وطفت فكرة مصالحة الضفة وغزة إلى السطح، مع استبعاد قطعة الإمارات من الرقعة!

وبدأت سلسلة التنازلات "المؤلمة"، والتي وللحق لم يكن يتوقعها أي خبير بعقلية حماس ..وصدقاً قد فاجأت الجميع بحجم المرونة والتسهيلات ..
لا أحد يعلم فعلياً حقيقةَ السبب الذي دفعها لذلك وأذاب الجليد، بل الصخور التي كانت تقبع في تلك العقلية طوال تلك الفترة، فمن غير المعقول استيعاب فكرة أنها وقعت في غرام الشعب بعد 11 عاماً من الحكم، فقررت التنحي للتخفيف من معاناته، تلك فترة طويلة حقاً لحدوث ذلك! لكن، هل تراءى مثلاً لقيادة حماس المستقبل المظلم ..أو ربما ذاك القبر الكبير الذي أُعد لغزة برعاية وتمويل عربيين جداً في حال لم تفعل، كما فُعل لليمن، وكما يُعد للبنان؟!

بغض النظر عن حقيقة الأسباب، وبالتركيز فقط على ما يحدث من نتائج في هذه الأيام، وبعد سلسلة التنازلات التي تنافس عدد فروع ماكدونالدز، المعلوم بالضرورة أن الطرف "الضفاوي" يُمعن في عملية لي الذراع، التي ابتدأها مذ نشأة اللجنة الإدارية وحتى لما بعد حلها وتسليم المعابر ..!
طبعاً ..الشعب هو الجهة التي تُحاسب دائماً على موائد اللئام ..
برز مصطلح التمكين فيما يُذكرنا في تكراره بمصطلح "شرعية" مرسي، والذي يُطالب دائماً بالمزيد، ويتدحرج ككرة الثلج، ويتباكى كطفل فقد لعبته: "الحكومة لم تتمكن بعد ..!"
أتساءل بكل صدق ماذا يقصدون فعلاً بهذا المصطلح كترجمة عملية مكوّنة من نقاط واضحة تماماً دون إبهام؟ وما هو المقصود بأن اللجنة الإدارية ما زالت تمارس مهامها؟ وأن الموظفين "الشرعيين" لم يتمكنوا من العودة لمقارّ عملهم؟!

هل المنتظر من موظفين حكومة غزة/حماس أن يعودوا إلى ديارهم ويُخلوا مقراتهم ليتمكن القابعين في البيوت منذ أحد عشر عاماً من العودة لأماكن خالية؟!
حتى حينما تم تسليم المقرات للسلطة بعد أوسلو، كان المسئول الصهيوني يسلم نظيره الفلسطيني المقر ومتعلقاته..ولم تُسلم أماكن خاوية!

السؤال الذي يطرح نفسه ..هل وقْع المفاجأة من حجم التنازل الذي قدمته حماس، أبدى سوء نوايا الطرف الآخر حول جدية إنهاء الانقسام ..؟
أم أن هاجس الجانب الأمني، وأن القوة الحقيقية على الأرض ما زالت بيد من انقلب مسبقاً ويمتلك القدرة على الانقلاب لاحقاً، هو الهاجس والكابوس والدافع الأساسي للتلكؤ؟!

أغرب ما أُثير أنه تم الحديث حوله، هو طرح معضلة سلاح المقاومة، والذي لا يختلف أحد على أنه يجب أن يُضبط، وأن لا يُرى في الشارع في النزاعات وفرض العضلات كما كان في السابق، وإلا اتُهم ..ووجب نزعه ..
أما أن يُطرح في إطار تفاهمات داخلية، فهذه جريمة لا تعدلها جريمة ..ولا يُمكن القبول بها ضمن نقاش ملف المصالحة سوى في الإطار الموضح أعلاه، أما في إطار سياسي، فإنني أتفق تماماً مع فكرة نزعه أو إلقائه في البحر حتى، لو كان هنالك ثمناً سياسياً حقيقاً، مثل دولة ذات سيادة على حدود 67، وبعدها لكل حادث حديث.

أخشى ما أخشاه، أن ما يتم هو استمرار حقيقي، ودور التفافي لدحرجة الكرة، وتحويل الدفة مرّةً أخرى لتمرير تلك الصفقة اللعينة بحيث تُصبح مسيحاً لشعب أنهكته المعاناة، والتي ستعقبها على الأغلب أثمان فادحة جداً.




الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

لماذا لم يرسل الله ملائكة بدلاً من البشر ..؟!




معضلةٌ واحدة قد تستغرق أعواماً حتى تتبدى ..و تُدرك مغزاها ويتبيّن لك وجهها الأمثل الذي تُحمل عليه ..

وقد تكون المعضلة أو الإشكال في فهم أمور علمية أو حياتية ..أو دينية، ولا يدّعي أحدٌ أنه لم تعرض له تساؤلات جوهرية في الدين حتى، إلا من كان فاقداً لمَلكة التساؤل وإعمال الفكر ..وهذا مما ذمّه الدين على من وجدوا آباءهم على أمةٍ ومضَوا على آثارهم يقتدون ..

يقول تعالى: 
"قل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملَكا رسولا" 
وهذه كما يبدو جاءت في معرِض احتجاج قريش وتبريرهم لعدم إيمانهم أن من بُعث إليهم برسالة السماء هو بشرٌ مثلهم ..وليس ملاكاً نورانياً ..

والحق يُقال ..أنني كنتُ كلما قرأت الآية ..أتعجّب حقيقةً من الحجة التي تطرحها كرد على القوم، هل هي كافية وشافية ..؟! ما الفكرة في طرح الاطمئنان بحد ذاته؟!

يلبث الإنسانُ من عمره في الناس سنيناً..فيرى صنوفاً وأنواعا، ويتعامل مع شتى الألوان والأشكال والعقول ..فيخلُص إلى حقيقة واحدة، هي استحالة اجتماع البشر على إبداء الرضا أو القناعة بأحدهم كائناً من كان ..سائراً بهم أيَّ سيرة ..من القبيحة للجميلة وما بينهما، رئيساً كان أو مسئولاً أو ربما كان في رِفقة من الأصحاب ..!

ولكن ما علاقة هذا بالأمر ..؟! 

العلاقة أنني بتُّ على قناعةٍ تامة أنه وحتى لو أرسل الله ملائكةً مقربين، تلك الكائنات الشفافة الصافية النورانية ..وسارت بين الناس تدعوهم إلى الله ..ثم اعتاد الناس وجودهم وزالت تلك اللحظة الباهرة من التعجب والاستغراب من هيئاتهم مع الوقت ومرور الزمان، فإن أولئك المساكين لن يسلموا من أن يُطعنوا في ظهورهم ..وأن تجلدهم الألسنة الحِداد في كل مجلس ..رغم سلوكهم الملائكي المفطورين عليه ..بل ربما جُلدوا أكثرَ من الشياطين نفسها لو تخيّلنا أن خيار استعمال الشياطين لمهمة موازية وارداً ..فقد أثبتت الحياة أن شياطينها يحظون بتقدير الناس ومهابتهم أكثر من ملائكتها ..

لذلك كله ..ولمدى لطافةِ تكوينهم وحساسيةِ أرواحهم ..فإن جَلْدهم ولو كان بالألسنة فقط ومن أوغاد القوم كفيلٌ بسلب اطمئنانهم والذهابَ به، في انحراف مخيف لنواميس الكون فكان الطين أولى بتقويم بالطين ..ومنه على ما تقدم بعث الله المرسلين ..

ـــــــــــــــــــ
يقول المتنبي: 
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ
وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ 
وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ 
حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

ماسح الجوخ .. والخداع النفسي ..

  




لم يخلُ زمانٌ ولا مكان من مسّاحي الجوخ .. فأينما حلّ مسئولٌ أو ارتحل..ظهر وتفتّق في المكان، من حيث لا تدري، وتماماً في اللحظة التي يجلس فيها صاحب السعادة على كرسيّه، من يمتشق طبلته ومزماره ليبدأ وصلة التملق المنفرد! 

هدفه هو حجب آذان المدير عن أي صوت محيط، سوى عن نغمته الفريدة في ممارسة التطبيل المتفاني.. وإلقاء معلقات المديح التي تتفوق طولاً عمّا خلده امرؤ القيس وابن كلثوم معاً .. كجلمود "نقصٍ" أتى به حبُ الوصول من أسفل السافلين! 

أدواته ..حنجرة خليعة لا تملّ .. عيون وآذان تترصد الوقت الذي قد يصدر فيه نقاش لأحد قرارات صاحب المعالي، تتنبه غريزة المتسلق القابعة داخله، ويبرز الثعلب ..في ثياب المدافع عن حنكة القائد المؤيد بأمر الله، وصوابية رؤيته، وبُعد نظره اللانهائي، وأنه يمتلك شفافية لا تُقارن في استقراء المستقبل وحتى استشعار واستحضار الماورائيات! كل ذلك يستطيع أن يصوغه بأسلوب منمّق منقطع النظير، ولو كان الحديث أو النقاش يدور حول سعر كيلو الدجاج بالأمس، أو حول التدهور الخطير الذي طرأ على أسعار البطاطس في الآونة الأخيرة! 

ومن أساليبه الناجعة هي محاولة اصطناع الإنجازات الوهمية، وإبراز الحبة وكأنها قبة أو جبل أشم، ليجدد من حظوته ومكانته وأنه الأقرب للمسئول، والأكثر جدارةً بأن يُعتمد عليه. والمهم أن يؤكد مراراً بأن كل ما تم إنما هو برعاية رشيدة وبتوجيهات حكيمة من صاحب السمو التي لولاها لما كان ما كان من إنجاز عظيم..! 

الكارثة في هؤلاء القوم هي أنهم يضربون على وتر الطنبور الأعذب، الذي لا تخلو منه أيّة نفس إنسانية، ومن حصول الانتشاء لها باهتزازه، ولو ادعت أو أظهرت خلاف ذلك بدعوى التواضع، وهو حب سماع المديح والإطراء من الغير، حول الإمكانات المميزة التي تحظى بها. 

لكن ..لا تتمثل حقيقةً موضع المصيبة في هذا الفعل لذاته، فعل الإطراء، فهو قد يكون محموداً في مواضع، وربما مطلوباً كذلك في مواضع أخرى من باب التشجيع الدافع على الاستمرارية، كذلك إذا صدر من الأعلى للأدنى دون حصول الحاجة أو المصلحة، كان شهادة منقطعة النظير، أما إن صدر من الأدنى إلى الأعلى فهو حمّال أوجه، ووجهه الأسوأ هو حينما يكون أحد عوامل الضرر بالمصالح. 

وبيان ذلك أن الشخص "ماسح الجوخ" لا يرى ولا يدفعه إلا مصالحه الخاصة، والوقت المثالي الذي يبرز فيه لينال الحظوة هو وقت نقاش وتمحيص القرارات من قِبل الموضوعيين والمهنيين، الحريصون على انبثاق القرارات الأنسب بطرح وجهات النظر التي قد تكون غابت عن ذهن المسئول، وهذا وارد وواقعي في أي زمان ومكان.  
يبرز المدّاح ويحجب تلك الأصوات، التي هي أهم وأبقى لمصلحة العمل ومصلحة العباد من أرتال المديح التي تُضيّق من زاوية الرؤيا ..وتزيّن الخطأ لتجعله عين الصواب ..فتُعتمد بعدها الخيارات الأقل فعالية والأضيق أفقاً .. ويتحقق مبتغاه في أن يكون "محظياً" لدى أصحاب المعالي! 

الغريب والحقيقة الثابتة، أنه في العادة أو "من المفترض" أن يتصف المدراء والوزراء بالذكاء العالي المتفوّق على أقرانهم وعلى الكثير من غيرهم بما أوصلهم إلى المكان الذي يشغلونه، إلا أنهم آخر من يكتشف أو يستشعر بوجود "ماسح الجوخ".


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More