والقصة الثانية:
كان في زمان المعتمد السارق المشهور بالبازي الأشهب، وكان له في السرقة كل غريبة، وكان مسلطًا على أهل البادية، وبلغ من سرقته أنه سرق وهو مصلوب؛ لأن ابن عبّاد أمر بصلبه على ممر أهل البادية لينظروا إليه، فبينما هو على خشبته على تلك الحال؛ إذ جاءت إليه زوجته وبناته، وجعلن يبكين حوله ويقلن: لمن تتركنا؟! نضيع بعدك. وإذا ببدوي على بغل وتحته حمل ثياب وأسياب، فصاح عليه: يا سيدي، انظر في أية حالة أنا، ولي عندك حاجة فيها فائدة لي ولك. قال: وما هي؟ قال: انظر إلى تلك البئر، لما أرهقني الشرط رميت فيها مائة دينار، فعسى تحتال في إخراجها، وهذه زوجتي وبناتي يمسكن بغلك، خلال ما تخرجها، فعمد البدوي إلى حبل ودلى نفسه في البئر، بعد ما اتفق معه على أن يأخذ النصف منها.
فلما حصل أسفل البئر قطعت زوجة السارق الحبل وبقي حائرًا يصيح، وأخذت ما كان على البغل مع بناتها وفرَّت به …
ورُفعت هذه القصة إلى ابن عباد فتعجب منها وأمر بإحضار البازي الأشهب وقال له: كيف فعلت هذا مع أنك في قبضة الهلكة؟ فقال له: يا سيدي، لوعلمت قدر لذتي في السرقة خليت ملكك واشتغلت بها! فلعنه وضحك منه ثم قال له:
إن سرَّحتك وأحسنت إليك، وأجريت عليك رزقًا يقلك؛ أتتوب من هذه الصنعة الذميمة؟
فقال: يا مولاي، وكيف لا أقبل التوبة وهي تخلصني من القتل؟
فعاهده وقدمه على رجال أنجاد، وصار من جملة حراس أحواز المدينة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق